65

وأنت تعلم من مناقشات مجلسي البرلمان أنه لم يدخل في شأن «بيوت هوس» بيد ولا رجل. بل لقد أنكر هذه الصفقة أول الأمر وقضاها زيور باشا آخره في سر منه إذ هو في سويسرا.

وإن من الغبن أن يقال إن عزيز باشا عزت «يشتغل» سفيرا لمصر في لندن، ولو سألتني عن وظيفته الحقيقية، لقلت لك إنه «يشتغل عيان»، نسأل الله أن يلقيه العافية.

وبعد، فإذا كان لنا سفير في باريس وسفير في روما وسفير في الآستانة، وحتى لنا سفير في طهران! أفلا يصح أن يكون لنا سفير أيضا في لندن؟! وإذا كانت لنا صلات ببلاد فارس، ولفارس في أسواقنا سجاجيد، «وشيلان كشمير»، وسبح «كهرمان»، فإنني أتخيل أن لإنجلترا في أسواقنا شيئا يدعى الفحم، وآخر يدعى الحديد، وثالثا يدعى الأقمشة على اختلاف أنواعها، ورابعا وخامسا، فإذا لم يكن بيننا وبين إنجلترا مسائل سياسية تستدعي أن نبعث لها سفيرا، فلا أقل من أن نبعثه لما بيننا وبينها من وسائل تجارية!

وإذا لم يكن في مقدور حكومتنا أن تقبل من عزت باشا ما يقدمه لها من الاستعفاء، فإن في مقدورها أن تعجل له الشفاء!

أبو نافع باشا أو عمدة سان استفانو

محمد أبو نافع باشا شخصية قوية يحق أن يتولاها الكتاب بالبحث والتحليل. على أنني إذا عجزت عن أن أجلوه تماما في هذه «المرآة» فلأن تلك الشخصية غريبة في بابها، بل لعلها خرجت إلى هذه الدنيا على غير سابق مثال. أما جسمه فيبدأ دقيقا من طرفيه كليهما، ثم ما يزال يتدرج في الغلظ من كلتا الناحيتين حتى يبلغ السمن منتهاه، عند «خط استواه». ثم هو أفوه، غليظ الشفتين؛ حديد العينين، قصير العنق. إذا مشى حسبته هضبة تضطرب في زلزال، وإذا جلس خلته تلعة فصلت عن أحد الأجبال.

عاقل راجح العقل، ذكي مشتعل الذكاء، غني وافر الثراء؛ يجمع من ألوان العلم بتاريخ هذا البلد وأحداثه وأحوال أسره ونفسيات رجالاته ما أحسب أنه لا يتسق لرجل غيره.

وهو عذب الروح، حلو الحديث، بارع المجلس، حاضر النكتة يرسلها في موضعها في توقر واحتشام. وقد دعي - بحق - عمدة «سان استفانو» لأنه ما تكاد تلوح علائم الصيف حتى يشد الرحال إلى الإسكندرية فيتخذ له دارا في الرمل، فإذا كان الصباح من كل يوم خرج إلى «كازينو سان استفانو» فجلس مجلسه إلى يسار الداخل، وفي هذا المجلس يحتشد الجمع الحافل من الوزراء، سابقين ولاحقين، ومن مستشاري الاستئناف، ومن المديرين، ومن كبار الموظفين، ومن الأعيان، ومن أهل العلم والأدب، لأن أبا نافع باشا يدعو كل من جاز به من أصحابه ويعزم عليهم بكل عزيمة، ويأبى إلا أن يقرب إليهم «على حسابه» كل ما يسألونه غلمان الكازينو من ألوان الحلوى والمياه المعدنية وما إلى ذلك، ثم ينطلق في المجلس محاضرا مفاكها محبوك الحديث متزن الكلام إلى أن يحين وقت الغداء فينطلق «وحده» إلى داره، فإذا كان العصر عاد إلى مجلسه وعاد إليه من ذكرت من صدور الناس، فلا عجب إذا دعي أبو نافع باشا بعمدة سان استفانو، ولا بدع إذا دعي مجلسه هنالك «بالمصطبة».

لا تخف فإني والله خفيف!

وحدثتك أن أبا نافع باشا شخصية غريبة، والواقع أنه قد حيرني فيه، فلم أعد أدري أهو أكرم الناس أم هو أبخل الناس؟ فلقد أرى نفسه تطيب بالإنفاق على كل من استراح إلى مجلسه في سان استفانو بالغا ذلك ما بلغ، حتى ليخيل إلي أنني لو طلبت «على حسابه» كل يوم

ناپیژندل شوی مخ