ومن فقهاء الشافعية كالقفَّال والرملي وابن سريج من قال بالأخذ بالحساب، والاعتماد على العلم الثابت، فلماذا لا نأخذ بهذه الأقوال، ونحن في عصر ترقَّى فيه العلم، وصار يعرف موعد الخسوف مثلًا، بالدقيقة والثانية، ويثبت خبره عيانًا، أفلا يعرف موعد ولادة القمر وظهوره؟
إن الاعتماد على الشهادة في رؤية الهلال ينتج أمورًا عجيبة، من ذلك أن جماعة من قرية دوما شهدوا عند القاضي بدمشق أنهم رأوا الهلال، وأثبت القاضي رمضان اعتمادًا على شهادتهم، فقال عمي الشيخ عبد القادر الطنطاوي: إن هذه الشهادة كاذبة وإن الهلال لا يمكن أن يُرى الليلة الثانية، فضلًا عن الأولى. وذهب مع القاضي وجماعة من وجوه الشام إلى دوما، وأحضر الشهود، ووقف معهم في المكان الذي زعموا أنهم رأوا منه الهلال في الجهة عينها، والساعة ذاتها، وسألهم: أين الهلال؟ فلم يروا شيئًا. ثم قال واحد: ها هو، فقال الجميع ها هو، فأخرج عمي نظارة مكبرة وأراهم، فإذا الذي رأوا غمامة طولها متران، انقشعت بعد ثوان!
وقد حدث مثل هذا كثيرًا. سمعت من مشايخي، ولم أر ذلك في كتاب، أن أنس بن مالك، ﵁، شهد عند شريح القاضي أنه رأى الهلال، فقال له: هلمَّ أرِنيه يا عم. وذهب معه، فقال: ها هو. فنظر شريح وهو الشابُّ الحديد البصر، فلم يَرَ شيئًا وأنس يقول: ها هو ... فنظر شريح فإذا شعرة من حاجب أنت بيضاء متدلية ويراها فيحسبها هلالًا ... فأزاحها فلم يعد يرى شيئًا.
ومنها مسألة الطلاق، لقد بلغت مسألة الطلاق حدًا لا يجوز السكوت عنه، ولا بدَّ من إعادة النظر فيها. وشَرْعِ قانون لها يؤمن المصلحة العامة، ويحقِّق غرض الشارع.
يكون الرجل في السوق يبيع أو يشتري فيحلف بالطلاق على أمر، فتطلَّق امرأته وهي في دارها، ويتشرَّد أولادها، وتنهدم دار على رؤوس أهلها؛
1 / 75