انتقل إلى مصر، ورأى أفقًا جديدًا، حتى صار له مذهبان قديم وجديد، فَلِمَ لايتغيَّر الرأي في كثير من المسائل، وقد تغير العالم كله، وتبدَّلت الدنيا، والإسلام صالح لكل زمان ومكان، والأحكام تتغير بتغيُّر الأزمان؟
أما الشباب الجاحدون فقد كانوا يعارضون هذه الدعوة لأنهم كانوا ينفرون من كل ما يتصل بالإسلام، أو يمتُّ إلى الدين بسبب، ويموتون عشقًا لأوروبَّة، ولكل ما له علاقة بأوروبة.
أما الآن فقد اعتدلت الطائفتان، فلم يبق على وجه الأرض عالم مسلم يقول بسدِّ باب الاجتهاد، ويدَّعي أن الفقهاء لم يتركوا شيئًا كان أو يكون إلا بينوا حكم الله فيه؛ ولم يبق في الشباب المتعلمين (والمثقفين حقًا) من ينفر من الدين، ويفزع منه اسمه، بل إن العقلية العربية (ولا سيما في مصر) قد اتَّجهت نحو الإسلام اتجاهًا قويًا ملموسًا؛ فعلماء مصر، وطلَّاب مصر، ورجالات مصر، مؤيدون للإسلام متجهون إليه، وهذا مما يسر، ويبعث الأمل في نشوء هذه الحلقة المفقودة، وإنجاز هذه الواجبات كلها.
...
والمسائل التي تحتاج إلى نظر وبحث واجتهاد كثيرة لا أستطيع الآن -ولا أريد- أن أستقريها كلها، ولكني أمثِّل لها بأمثلة قليلة قريبة.
هذا رمضان قد جاء. أفلا يجب إعادة النظر (مثلًا) في مسألة ثبوت الهلال؟ أليست هذه الطريقة المتَّبعة اليوم في أكثر البلدان الإسلامية مؤدية إلى الفوضى الظاهرة والنتائج الغريبة المضحكة؟ ألم تمر سنوات ثبت فيها رمضان في بعض البلدان الإسلامية السبت، وفي غيرها الأحد وفي أخرى اللإثنين ... وهو يبدأ في الواقع في يوم واحد؟ ألا يبدو هذا مخالفًا لجوهر الدين؟.
أنا لا أدعو إلى بدعة جديدة، فقد تكلَّهم الفقهاء في هذه المسألة، فمن فقهاء الحنفية من قال بأن رؤية الهلال في قطر توجب الصيام على الجميع، فلماذا لا تتَّخذ مرصدًا منتظمًا في إحدى البلدان الإسلامية، ثم تذاع نتائج رصده على البلدان الإسلامية كافة فيعمل بها؟ أنكون بذلك مخالفين أو مبتدعين، والفقهاء قد قالوا بهذا؟
1 / 74