په عربي کلتور کې تازه
في تحديث الثقافة العربية
ژانرونه
وبعد هذا فانظر إلى الثقافة العربية كما هي قائمة اليوم، كم فيها من قضبان الحديد فوق رءوسنا، ومن قيود في الأرجل وأغلال في الأيدي، بحيث تسير الدنيا من حولنا ولا نسير، فلو أن تلك العوائق كلها من قبيل «الحقائق» التي لا قبل لنا بردها ورفضها؛ لقلنا: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم إنه لا حول ولا قوة إلا بك يا رب العالمين، لكن الكثرة الغالبة من تلك العوائق في حياتنا الثقافية، إنما هو في أساسها من قبيل «الفروض» التي افترضها السابقون استجابة لظروفهم، وكان لهم في ذلك الحق كاملا، فما الذي يلزمنا نحن بفروض افترضها آخرون لزمن آخر؟ أليس لنا مثل ذلك الحق كاملا في أن ننسج لأنفسنا عريشة جديدة من «تعريفات» حديثة للمعاني وللقيم وللمبادئ .. فنستجيب بها استجابة صحية لحياة جديدة؟!
أنجعل التراث كنزا نحن حراسه؟!
لست أذكر على وجه اليقين أي مسألة كانت تلك التي ثارت فأثارت رجال الفكر والأدب فينا؟ حتى لقد انقسموا حزبين، في معركة اصطرعت فيها الأقلام لفترة من الزمن، فجاءني من جاءني ليسأل في سخرية ملحوظة قائلا: علام الضجة الكبرى علام؟ فأجبته: شهد الله أنها معركة في غير معترك؛ فحقيقة أمرها ناصعة بوضوحها، فكل ما هنالك في الحزبين المتحاربين حول قديم وجديد هو أن خلط الفريقان معا بين الوسائل وغاياتها، فأما حزب القديم فقد تحولت الوسيلة بين يديه فأصبحت غاية يوقف عندها، وأما حزب الجديد فقد خيل له أن الجديد الذي هو غايته يمكن أن يتحقق له بغير وسيلة تؤدي إليه، ولو أن الفواصل تبينت بين غاية ووسيلة لهذا القتال؛ لوضح الأمر ورضي الحزبان معا.
قال الصديق الساخر: وكيف كان ذلك؟ ها أنا ذا مصغ أنتظر الجواب قلت: الجواب يا أخي طويل عريض، فيه أصول وفروع، ولأبدأ لك بتشبيه بسيط إلى حد السذاجة لعله يفتح لنا بابا للدخول ؛ فافرض أن مائدة الغداء قد أقيمت لأسرة تعدد أفرادها وتنوعوا، وعلى المائدة من ألوان الطعام صنوف وأشكال؛ فها هنا تكون نقطة البدء التي تؤدي بالآكلين إلى نتيجتين: إحداهما قريبة والأخرى بعيدة، فأما النتيجة الأولى القريبة فهي ما يصيبه الطاعم من لذة الطعام، وأما النتيجة الثانية البعيدة فهي أن يتحول الطعام ليصبح غذاء لكل خلية من خلايا البدن، ثم يعود ذلك البدن الناشط بكل أجهزته، فيترجم ذلك إلى عمل لا نستطيع التنبؤ به عندما جلس الطاعم على مائدة الطعام، فقد يكون عملا علميا يؤديه عالم وهو في مكتبته أو في معمله، أو يكون معزوفة موسيقية، أو قصيدة من الشعر يبدعها شاعر. وبهذه المناسبة أذكر أني، وأنا الشاب الصغير، زرت صديقا يوم عيد، وهناك وجدت المرحوم علي الجارم، ولم أكن رأيته قبل ذاك، وإن كنت بالطبع قد سمعت عنه وسمعت شعره؛ فقد كان الأستاذ الشاعر من أقرباء صديقي ذاك، ورأيت الأستاذ الجارم يأكل لوزة، فانطلق لساني قائلا: ترى ماذا يكون بيت الشعر الذي ستعمل هذه اللوزة على إبداعه؟ وضحك الأستاذ الجارم، ربما لجرأة الشاب وبساطته. هكذا تكون النتيجة البعيدة لما طعمه الطاعمون على مائدة الغداء: قلما يتحرك بفكرة مسطورة على ورق، أو فأسا يضرب بها زارع يفلح أرضه، أو حركة ينشط بها جندي في ساحة القتال، إلى آخر أوجه الحياة البشرية التي ليس لها آخر، فكأن أفراد الأسرة التي حدثتك عنها، وهم على مائدة الغداء يأكلون؛ كانوا يفعلون فعلا يتعدى بمفعولين، فهل تذكر ما تلقيته من دروس النحو في مرحلة التعليم الابتدائي حين تلقيت درسا عن الفعل اللازم والفعل المتعدي؟ فالفعل اللازم له فاعل ولكنه لا يستتبع مفعولا، كأن تقول قام زيد، وأما الفعل المتعدي فله فاعله بالطبع، لكنه بعد ذلك يستتبع مفعولا واحدا أحيانا، كأن تقول ضرب الوالد ولده، أو مفعولين كأن تقول: أعطى الوالد ولده كتابا.
وتشبيها بالفعل الذي يستتبع مفعولين نقول: إن طعام الطاعم ينتج له في حياته نتيجتين: إحداهما لذة الطعام عند الأكل، والأخرى نشاط يتولد عن تغذية الجسم؛ فيبدع به صاحبه إبداعا لم يكن هو نفسه يستطيع أن يتنبأ به ساعة استوائه إلى مائدة الطعام، وهكذا الحال مع التراث ووارثيه.
إننا نتحدث عن التراث ألف ألف مرة في النهار الواحد، وكأن الذي في حسابنا ونحن نلوك هذه الكلمة في أفواهنا أنه ما دامت هي كلمة واحدة - وأعني كلمة تراث - إذن لا بد أن يكون هناك في عالم الكائنات كائن واحد نستطيع أن نشير إليه بأصابعنا قائلين: ذلك هو التراث، لكن تلك الكلمة الواحدة إنما نسير بها إلى عالم ضخم الله وحده أعلم بمداه: مئات الملايين من الصفحات المكتوبة، مضافة إلى ما ليس في وسع أحد أن يحصيه، من الأفكار، ومن العادات، ومن المباني ومن المأثورات؛ ما يترتب عليه آخر الأمر مناخ ثقافي عام يعيشه كل فرد من أفراد الأمة المشاركة في ذلك التراث دون أن يكون بمستطاع كل فرد أن يحدد عناصره، فالمصري يعيش مصريته، والعربي يعيش عربيته، بحيث لا يتعذر على الرائي أن يقول عن شخص يراه: هذا مصري، وذلك عربي، أو على الأصح هذا هو مصري عربي.
ولكي نيسر على أنفسنا الأمر بعض الشيء؛ سنقصر حديثنا فيما يخص التراث على ما هو مكتوب، كان السؤال هو كيف نرى العلاقة بين تلك المجموعة الضخمة من الكتب أو ما يشبه الكتب وبين حياتنا العملية الآن؟ وإن سؤالا كهذا لهو بالفعل مطروح في سمائنا وعلى أرضنا طرحا كثيفا يكاد يسد علينا مسالك التنفس، وكأنه سؤال ذو معنى قريب يصل إلى أفهامنا لمجرد النطق به! والحق أن هذا التراث أقرب شبها إلى قارة فسيحة الأرجاء، فيها جبال وسهول ووديان، وما يشغل سكان الجبال مختلف عما يشغل أهل السهول والوديان، فلنقل - مثلا - إن الشعراء والأدباء والنقاد والفلاسفة والمتكلمين والمتصوفة يسكنون الذرى، وإن علوم الفقه وعلوم اللغة وعلوم الكيمياء والفيزياء والرياضة هم أهل السهول، وأما الوديان ففيها المؤرخون والرحالة ورواة الحكايات، فإذا كان هذا هكذا أو ما يشبهه؛ فماذا نعني حين نصرخ لأنفسنا اليوم قائلين: التراث! التراث! يا قوم، عليكم بتراث أسلافكم؛ ليجري رحيقه في دماء حياتنا الحاضرة؟! أيمكن أن يكون ما نعنيه هو أن يحيي كل مثقف منا في نفسه كل هذا الخضم الطامي؟ هذا محال لأنه كمن يقول لظامئ اشرب ماء المحيط بأكمله! إذن فالمقصود المعقول هو أن يكون كل ذي اختصاص منا على شيء من العلم بما خلفه أسلافنا في مجال تخصصه، ومع ذلك فالأمر في هذا يختلف اختلافا بعيدا بين مجال ومجال؛ فلئن كان الشاعر العربي المعاصر - مثلا - مطالبا بأن يكون على أوسع علم وأدق علم بالشعر العربي في مختلف عصوره، لكي يتشرب روح الفن الذي يرى موهبته متجهة إليه، ويريد أن يكون صفحة من تاريخه؛ أقول: لئن كان مثل هذا الاستيعاب مطلوبا في الشعر والأدب والنقد، وكذلك في علوم اللغة وما إليها وعلوم الدين؛ فإنه ليس كذلك في علوم الكيمياء والفيزياء والفلك والرياضة والطب وما إليها؟ وكذلك نقول إنه إذا كان علماؤنا اليوم في مجالات الطبيعة والرياضة والطب والهندسة وما إليها مطالبين بأن يكونوا على شيء من تذوق الشعر العربي والموسيقى وبقية جوانب الفن؛ ليتسنى لهم أن يتجهوا بحياتهم الوجدانية نحو المشاركة الصحيحة العميقة الحية مع قولهم، فليس معقولا أن نطلب من رجال الأدب والفن منا أن يكونوا على دراية بما أنتجه أسلافنا في علوم الفيزياء والكيمياء والرياضة، اللهم إلا إذا صدر أحدهم في ذلك عن ميل خاص. ومن جهة ثالثة نقول: إن موقف الشاعر العربي المعاصر من شعر أسلافنا، ليس هو كموقف عالم الكيمياء أو الفيزياء المعاصر، من قرينه في تاريخ أسلافنا؛ فبينما يراد للشاعر المعاصر أن يكون على درجة من التجانس الذوقي مع الشاعر القديم، لأن اللغة بينهما واحدة ولأن الوجدان العربي فيه خيط ممتد معنا عبر العصور؛ فلا ينبغي لعالم الفيزياء أو الكيمياء أو ما إليهما في عصرنا هذا، أن ينخرط مع مثيله من الأسلاف في منهج واحد، أو في نتائج علمية بعينها، وذلك لأنه بينما نحن إذ نصف الشعر - أو أي ضرب آخر من ضروب الأدب والفن - بأنه قديم أو بأنه جديد ؛ فإننا لا نعني ما نعنيه إذ نصف كتابا في الكيمياء - مثلا - بأنه قديم أو بأنه جديد، وعلة ذلك واضحة، وهي أن الآية من آيات الأدب والفن قد تكون قديمة بزمان إنتاجها، لكنها رغم ذلك خالدة باقية لكل عصر بعد عصرها، ولا كذلك العلوم الطبيعية وما لف لفها؛ فالقديم فيها هو قديم في تاريخ إنتاجه وقديم كذلك في درجة صحته، واختصارا بأن الأدب والفن لا يلغي جديدهما ما قد سبقه، وأما في مجال العلوم فالجديد كثيرا جدا ما يلغي القديم.
والمحصلة من هذا كله، هي أن الدعوة إلى إحياء التراث واجبة في ذاتها، لكننا في الوقت نفسه يجب أن نكون على علم بما نعنيه، والذي ينبغي له أن يكون هو ما نعنيه بتلك الدعوة؛ هو: أولا أن يكون كل ذي مجال خاص مسئولا عن مجاله في هذا التراث، وثانيا أن تختلف الصلة بين جانب الشعر والأدب والفن من جهة، وجانب العلوم من جهة أخرى، وثالثا - وهو أهم ما أردت أن أبرزه - ألا يكون هدفنا من إحياء تراثنا والاتصال به أن نعيده في ذاكراتنا حفظا، ثم نقف عند هذا الحد؛ لأننا لو فعلنا ذلك لقتلنا الماضي وقتلنا الحاضر معا، فأما قتل الماضي؛ فلأنك إذا أعدت معلومة في سياق مختلف عن السياق الذي قيلت فيه، فربما أدى ذلك إلى السخرية منها لشدة بطلانها في غير عصرها، وأما قتل الحاضر؛ فذلك لأننا لو خرجنا إلى الدنيا مزودين بعلوم القدماء فربما أعدنا قصة أهل الكهف حين استيقظوا من سباتهم الطويل، وذهبوا إلى المدينة بما لديهم من نقود، أنكرتهم المدينة إنكارا دفعهم إلى العودة إلى كهفهم ليستسلموا إلى الموت.
لا، ليس المراد بإحياء التراث أن ندفن في ثنايا صفحاته، مغمضين العين عما تعج به الحياة من حولنا، بل المراد يختلف باختلاف القول، فإذا اختصرنا وقلنا إن تراثنا إما أدب وإما علم؛ كان المراد من إحياء التراث الأدبي هو أن يكون مصدر وحي لرجال الإبداع الأدبي، حتى نضمن استمرارية تاريخية في كل جنس من أجناس الأدب والفن ، ولماذا نريد أن نضمن ذلك؟ إننا نريده لأن الأدب والفن هما النفس الإنسانية وقد خرجت من مكمنها في الحشا وتموضعت في عالم الأشياء الظاهرة لتراها الأعين أو لتسمعها الأذن، فنحن إذا كنا حريصين على بقاء هويتنا الوطنية والقومية؛ كنا حريصين كذلك على أهم العوامل التي تعمل على بقاء تلك الهوية بمنجى من التحلل والضياع، وأبرز تلك العوامل هو الذوق الفني. وأما المراد بإحياء العلوم التي أنتجها أسلافنا فشيء آخر؛ لأن الاستمرارية التاريخية هنا مختلفة المعنى؛ إذ تدخل فيها حلقات التاريخ العلمي أينما نتج للعلماء ناتج جديد في مجال العلم، فنحن نقول في مجال الفن والأدب: هذا شعر عربي، وفن عربي، وأما في مجال العلوم؛ فلا نقول هذه فيزياء عربية، بل نقول هذه هي الفيزياء بالنسبة إلى العالم كله حتى لو كان العلماء الذين أنتجوها ينتمون إلى أوطان بعينها؛ إذن ماذا عسانا فاعلين بما نحييه من تراثنا العلمي؟ يبدو أن كل ما نجنيه من ذلك الإحياء هو رفع الروح المعنوية عند العلماء العرب في أيامنا هذه كما تقول لشاب مات عنه أبوه وهو طفل، إن أباك كان شهيرا في مهنة الطب؛ لعل هذا القول يثير العزم في قلب الشاب ليسطع نجمه في سماء الطب في جيله الحاضر سطوع أبيه في سماء الطب في جيله، وأما المادة العلمية ذاتها فمختلفة بين الجيلين بحكم طبيعة العلم في نموه عصرا بعد عصر، فالعلم في مسيرته تلك يصحح نفسه، على خلاف الأدب والفن؛ إذ فيهما لا مكان لتصحيح عصر أخطاء عصر آخر، فالشاعر العظيم عظيم ما امتد الزمن. هو - إذن - استلهام الحاضرين للسالفين وليس حفظ الحاضرين لما تركه السالفون، وكيف يكون ذلك الاستلهام؟ الله في ذلك أعلم، لكنه يحدث، ولحدوثه شواهد لا يحدها إحصاء؛ فقد يقرأ صاحب الموهبة كتابا، أو حتى صفحة واحدة من كتاب، وإذا به وقد انقدحت في رأسه فكرة عمل جديد ينهض لإنجازه، ولا تكون بينه وبين ما قرأه أي صلة ظاهرة، أو قد تكون الصلة ظاهرة ولكنها أوهى من أن تبشر بإنتاج مبتكر ضخم. وخذ أمثلة كذلك نسوقها عفو الخاطر، وإني لأرجو القارئ بأن يتذكر صورة المائدة التي أسلفتها قائلا عنها إن أسرة كثيرة الأفراد الذين تنوعت خطوطهم في طرق الحياة العملية، قد جلسوا إليها يطعمون، ثم ذكرت لك عندئذ أن لهذا الفعل نتيجتين إحداهما قريبة مباشرة والأخرى بعيدة وغير مباشرة، على نحو ما نقول في علم النحو عن بعض الأفعال إنها تتعدى بمفعولين، وهكذا استلهام التراث؛ فكما يطعم الطاعم طعاما يلتذ به أولا، ثم يتحرك بعد ذلك بتأثيره في حيوية نشاطه ناشطا في مجال عمله أيا كان ذلك العمل؛ كذلك قارئ قطعة موروثة عن السلف يعجب بها عند قراءتها، ثم تسري حيث تسري في كيانه، فإذا هي قوة خفية تدفعه إلى إبداع ثمرة جديدة.
جاءت إلى أبي العلاء المعري رسالة من ابن القارح فيها أخبار من هنا وهناك عن شعراء وفقهاء وفلاسفة وزنادقة كتبت على الطريقة الاستطرادية التي نألفها عند أدباء العربية الأقدمين، وقد وردت فيها لمحة عن المعري نفسه جاء فيها قوله عنه: «... إن رسائله (أي رسائل أبي العلاء) لو صدرت عن رجل كتبه حوله يراجعها لكانت عجيبة، فكيف بأبي العلاء وهو يعتمد على ذاكرته؟!» فكتب أبو العلاء ردا على رساله ابن القارح، فهل تدري ماذا كانت رسالته تلك؟ إنها هي رسالة الغفران التي تعد في الأدب العربي كله درة من دراته، ثم هي الرسالة التي أثبت بعض علماء التاريخ الأدبي في الغرب أنها كانت ملهما مباشرا للشاعر الروماني دانتي في آيته الأدبية الخالدة «الجحيم»، وأريد للقارئ أن يعلم بأن جحيم دانتي مختلفة عن غفران أبي العلاء اختلافا لا حد لمداه، وكل ما بين العملين من تشابه هو أن كليهما صور زيارة لأهل الجنة وأهل النار ممن ماتوا وصعدت أرواحهم إلى حيث أقيم لها ميزان الحساب، وكان ما كان من جزاء، إلا أن أبا العلاء كاد يقصر زيارته على الشعراء فشعراء الجنة هم الذين أجادوا القول وشعراء النار هم الذين كانت لهم سقطات استحقوا عليها العقاب. وقد أظهر أبو العلاء علمه التفصيلي الواسع بشعراء العربية الذين سبقوه؛ إذ أخذ يناقش أولئك في مواضع الجودة من شعرهم، كما يناقش هؤلاء في مواضع الرداءة التي أوردتهم نار الجحيم. أما دانتي فأوشك في «الجحيم» أن يقتصر على أهل النار وحدهم ممن أساءوا في حياتهم الأولى، وكانت جحيمه درجات متفاوتات من العذاب كما كان هذا العذاب صنوفا مختلفة أيضا؛ فلكل سيئة من السيئات الكبرى درجتها ونوع عذابها، والذي يهمنا الآن مما ذكرناه هو أن نتأمل طريقة الإحياء كيف تجيء، فماذا قرأ أبو العلاء في رسالة ابن القارح بحيث تنقدح له فكرة رسالة الغفران؟ وماذا قرأ دانتي في رسالة الغفران لتتولد له الجحيم؟ لكن هكذا يوحي عمل بعمل، وهكذا يرجى لمن يراجعون تراثنا أن تلمع في رءوسهم لمعات تلد الجديد الذي قد يصعب أحيانا إلا على خاصة الخواص أن يجدوا العلاقة بين مصدر الإلهام وما أثمره ذلك الإلهام من نتاج جديد.
ناپیژندل شوی مخ