صيته في اقطار الآفاق وشاع خبره في جميع النواحي والجهات نسخ معالم دينه ومراسم شرعه وملته احكام جميع الملل والشرائع ورسوم عموم الأديان والمذاهب. وبالجملة قد جرى كلمة التوحيد الذاتي بعد بعثته ﷺ على السنة عموم العباد المسترشدين منه ﷺ والمتعطشين بزلال هدايته وإرشاده وكذا من أولاده وأحفاده الائمة الهادين المهديين وأصحابه المهاجرين والأنصار والتابعين الأخيار الأبرار رضوان الله عليهم وعلى من يتبع أثرهم ويقتدى بهم ويتابعهم الى يوم الدين ولهذا قد ختم ببعثة الحضرة الختمية الخاتمية وبنزول كتابه شأن التشريع والتديين ووضع الملل والمذاهب وطريق التوضيح والتبيين وسد باب الإنزال والإرسال وانسد طرق الوحى ونزول الملك بالكتب والصحف وغير ذلك من آيات الإرشاد والتكميل ولهذا قال ﷺ انا أتمم مكارم الأخلاق ونزل في شانه «اليوم أكملت لكم دينكم» الآية وبالجملة بعد ما لاح شمس الذات الاحدية عن المشكاة المحمدية وظهر طريق التوحيد الذاتي المبين بالقرآن العظيم لم يبق لعموم العباد حاجة الى تبيين مبين آخر وهداية هاد سواه وفقنا الله بشرف متابعته وبانقياد دينه وملته واطاعة كتابه وشريعته وحشرنا تحت لوائه ومن زمرته وفي حيطة حوزته بفضله وجوده. ثم اعلم ان القرآن الفرقان المنزل على خير الأنام. المبين لعموم البرايا احكام دين الإسلام. المبنى على التوحيد الذاتي أعظم الكتب الإلهية نفعا وأفضلها شأنا. وأوضحها حجة وبرهانا. وأتمها بيانا وتبيانا.
واجمعها حكما واحكاما وأكملها معرفة وإيقانا. وأهداها الى طريق الحق وسبيل الوحدة الذاتية التي هي مناط عموم التكاليف الواردة الموردة في الكتب الإلهية والصحف السماوية الا وهو المنشأ والمبدأ وكذا العلة الغائية والحكمة المتقنة السنية والمصلحة العلية لوضع مطلق الملل والأديان والمذاهب والمشارب. وبالجملة القرآن الفرقان منزل من الحق على الخلق بالحق لتبيين طريق الحق لأهل الحق بحيث لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه وهو المشتمل على شرح كمال الإنسان.
المصور بصورة الرّحمن. المستخلف عن الله من بين عموم الأكوان. وهو الجامع لجميع أطواره الحسنة وأخلاقه المستحسنة المقبولة عند الله المرضية دونه سبحانه انما أنزله سبحانه على حبيبه الذي هو اشرف نوع الإنسان وأفضلهم وأكرم الناس على الله وأولاهم لينشرح صدره ﷺ بما ذكر فيه من الأوامر والنواهي والحكم والاحكام والمعارف والحقائق والرموز والإشارات والعبر والأمثال والحكايات الموردة فيه المتعلقة بعضها باصحاب الزيغ والضلال. المنحرفين عن جادة الاستقامة والاعتدال. وبعضها بأرباب القرب والوصال. المنخرطين في سلسلة الوجود. المتشبثين بحبل الله الممدود.
من أزل الذات الى ابد الأسماء والصفات بلا التفات لهم الى لوازم ناسوتهم أصلا وبعد ما انشرح صدره ﷺ قد وسع الحق فيه ونزل سلطان الوحدة على قلبه فقد فنى في الله وبقي ببقائه واضمحل ناسوته الباطل في لاهوت الحق فحينئذ قد حق الحق الحقيق بالتحقق والثبوت وبطل الباطل الزاهق الزائل فتخلق ﷺ بأخلاق الحق مطلقا. وبعد ما صار ﷺ ما صار امر بتبليغ القرآن الفرقان الى عموم عباد الله المنجذبين نحو الحق المجبولين على فطرة الخلافة والنيابة ليقتدوا به وبما فيه كي يهتدوا الى زلال وحدته سبحانه ويتخلقوا بأخلاقه ليتمكنوا على مقر الخلافة والنيابة وعلى صراط العدالة الإلهية التي هم جبلوا لأجلها. وبالجملة من أراد ان يصل الى مرتبة الإنسان المخلوق على صورة الرّحمن فعليه ان يتخلق بأخلاق القرآن ويمتثل بأوامره ويجتنب عن نواهيه ويحافظ على حدوده وأحكامه ايمانا واحتسابا مستبصرا يقظانا حتى يستشعر من سرائر
1 / 16