حكمه واسرار أحكامه. وبالجملة من استشعر بحكم القرآن واعتبر من عبره فقد استهدى منها الى معارفه وحقائقه ورموزه وإشاراته ومكاشفاته ومشاهداته التي ما نزل عموم ما نزل من عند الله الا لأجلها. وبالجملة من تشبث بالقرآن وامتثل بما فيه من الحكم والاحكام وتخلق بأخلاقه واتصف بآدابه فقد تحقق بمرتبة الإنسان الكامل الذي هو مرآة الحق يتراءى منه عموم أوصافه وأسمائه الذاتية جعلنا الله من زمرة من امتثل بأوامر القرآن واجتنب عن نواهيه واعتبر من عبره وأمثاله وتخلق بما فيه من أخلاقه المأمورة بها لخلص عباد الله ومن جملة من أطاع الله ورسوله واستن بسننه السنية وآدابه الرضية المرضية بمنه وجوده فها أنا اشرع فيما اقصد وافتتح ما أريد والله الموفق والملهم للخير والصواب وعنده أم الكتاب.
[سورة الفاتحة]
فاتحة سورة الفاتحة «١»
[الآيات]
لا يخفى على من أيقظه الله تعالى من منام الغفلة ونعاس النسيان ان العوالم وما فيها انما هي من آثار الأوصاف الإلهية المترتبة على الأسماء الذاتية إذ للذات في كل مرتبة من مراتب الوجود اسم خاص وصفة مخصوصة لها اثر مخصوص هكذا بالنسبة الى جميع مراتب الوجود ولو حبة وذرة وطرفة وخطرة والمرتبة المعبر عنها بالأحدية الغير العددية والعمآء الذي لاحظ لأولى البصائر والنهى منها الا الحسرة والحيرة والوله والهيمان وهي غاية معارج عروج الأنبياء ونهاية مراتب سلوك الأولياء فهم بعد ذلك يسيرون فيه لا به واليه الى ان يستغرقوا فيتحيروا الى ان يفنوا لا اله الا هو كل شيء هالك الا وجهه ثم لما أراد سبحانه ارشاد عباده الى تلك المرتبة ليتقربوا إليها ويتوجهوا نحوها حتى ينتهى توجههم وتقربهم الى العشق والمحبة الحقيقية الحقية المؤدية الى إسقاط الاضافة المشعرة للكثرة والاثنينية وبعد ذلك خلص نيتهم وصح طلبهم للفناء فيه نبه سبحانه الى طريقه إرشادا لهم وتعليما في ضمن الدعاء له والمناجاة معه متدرجا من نهاية الكثرة الى كمال الوحدة المفنية لها متيمنا بِسْمِ اللَّهِ المعبر به عن الذات الاحدية باعتبار تنزلها عن تلك المرتبة العمائية إذ لا يمكن التعبير عنها باعتبار
_________
(١) اعلم ان كل امر من الأمور التي يبين بها شيء من الأشياء او يوضح بها حكم من الاحكام او ينسب إليها بداية لا بد وان يكون له فاتحة خاصة له حافظة لمرتبة بدايته وأوليته وخاتمة مخصوصة إياه حافظة لمرتبة نهايته وآخريته وامر ثالث بينهما يكون مرجع الحكمين ومآل الطرفين اليه يجمعهما ويتعين بهما ويتبين منهما ولا شك ان كل سورة من سور القرآن بل كل كتاب وصحف سماوية واسفار الهية نازلة على الأنبياء العظام والرسل الكرام صلوات الله عليهم ما نزلت ووردت حقيقة ومعنى من عنده سبحانه الا ليبين ويوضح به سبحانه لخلص عباده ظهور وحدته الذاتية وهويته الشخصية السارية في عموم الكوائن والفواسد غيبا وشهادة ظاهرا وباطنا الظاهرة في الأنفس والآفاق وفي جميع الأقطار والجهات بكمال الاستقلال والاستحقاق بلا شركة وكثرة أصلا وينبهها عليهم من كل منها بطريق مخصوص وطرز معين إذ زبدة عموم الكتب والصحف الإلهية ما هي الا هذا البيان والتبيان الا وهو العلة الغائية المترتبة على مطلق الإرسال والإنزال حقيقة وكذا على عموم مراتب الولاية المطلقة والنبوة والرسالة بل على بروز عموم الملل والنحل وجميع الأديان والمذاهب ومطلق الشرائع والاحكام الجارية على السنة الرسل الكرام والأنبياء الأمناء العظام عليهم التحية والسّلام فلا بد ان يكون لكل سورة من سور القرآن فاتحة مخصوصة وخاتمة معينة لتكون كل منها ممتازة عن صاحبتها إذ كل سورة من السور القرآنية انما هي رسالة مخصوصة مفرزة مستقلة وسفر مخصوص معين لبيان هذه المصلحة العلية المذكورة آنفا لذلك ما صدرنا كل سورة منها الا بفاتحة خاصة لها وما ختمناها ايضا الا بخاتمة معينة مخصوصة إياها مناسبة كل منهما لما فيها من الحكم والمصالح بتوفيق الله وتيسيره تأمل تفز بسرائرها والعلم عند الله والعالم هو الله هو يرشد نحوه وهو يهدى اليه وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه أنيب
1 / 17