وروى الإمام أحمد والنسائي والدارمي وابن أبي حاتم والحاكم - وصححه - عن ابن مسعود ﵁ قال:
" خط رسول الله صلي الله عليه وسلم خطا بيده، ثم قال: هذا سبيل الله مستقيما، ثم خط خطوطا عن يمين ذلك الخط وعن شماله ثم قال: وهذه سبل ليس منها سبيل إلا وعليه شيطان يدعو إليه " ١ ثم قرأ ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ﴾ الآية.
وعن مجاهد: ولا تتبعوا السبل، قال: البدع والشهوات.
قال ابن القيم ﵀: ولنذكر في الصراط المستقيم قولا وجيزا، فإن الناس قد تنوعت عباراتهم عنه بحسب صفاته ومتعلقاته، وحقيقته شيء واحد، وهو طريق الله الذي نصبه لعباده موصلا لهم إليه، ولا طريق إليه سواه، بل الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا طريقه الذي نصبه على ألسن رسله، وجعله موصلا لعبادة الله، وهو إفراده بالعبادة، وإفراد رسله بالطاعة، فلا يشرك به أحدا في عبادته ولا يشرك برسوله صلي الله عليه وسلم أحدا في طاعته. فيجرد التوحيد، ويجرد متابعة الرسول صلي الله عليه وسلم وهذا كله
قال ابن مسعود: من أراد أن ينظر إلى وصية محمد صلي الله عليه وسلم التي عليها خاتمه فليقرأ قوله تعالى: ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ إلى قوله: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا﴾ ٢ الآية.
مضمون "شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله" فأي شيء فسر به الصراط المستقيم فهو داخل في هذين الأصلين. ونكتة ذلك، أن تحبه بقلبك وترضيه بجهدك كله، فلا يكون في قلبه موضع إلا معمورا بحبه، ولا يكون لك إرادة إلا متعلقة بمرضاته. فالأول يحصل بتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، والثاني يحصل بتحقيق شهادة أن محمدا رسول الله. وهذا هو الهدى ودين الحق، وهو معرفة الحق والعمل به، وهو معرفة ما بعث الله به رسوله والقيام به، وقل ما شئت من العبارات التي هذا آخيتها٣ وقطب رحاها. قال: وقال سهل بن عبد الله: " عليكم بالأثر والسنة، فإني أخاف أنه سيأتي عن قليل زمان إذا ذكر إنسان النبي صلي الله عليه وسلم والاقتداء به في جميع أحواله ذموه ونفروا عنه وتبرءوا منه وأذلوه وأهانوه " اهـ٤.
_________
١ أحمد (١/٤٣٥)، والدارمي: المقدمة (٢٠٢) .
٢ سورة الأنعام آية: ١٥١- ١٥٣.
٣ الآخية- بالمد والتشديد- حبيل، أو عويد يعرض في الحائط ويدفن طرفاه فيه ويصير طرفه كالعروة تشد فيها الدابة، وجمعها: الأواخي.
٤ حسن: الترمذي: كتاب التفسير (٣٠٧٠): باب ومن سورة الأنعام. وقال الترمذي: حديث حسن غريب وهو كما قال: والطبراني في الكبير (١٠٠٦٠) أيضا. وحسنه الأرناؤوط في تخريج جامع الأصول (٢/١٣٧) .
1 / 24