فالقوة المتشععة إذا تحولت من موجة قصيرة إلى موجة طويلة لا تعود تتحول بالعكس من طويلة إلى قصيرة، وتعتبر الموجة القصيرة أعلى منزلة في سلم الأمواج؛ لأنها أسرع، وتعتبر الطويلة أدنى منزلة؛ لأنها أبطأ، كما هي الحال في السلم الموسيقية مثلا.
هذه هي قاعدة تموج القوة المتشععة في كل حال، وتحت أي ظرف وأي سبب.
بناء على ما تقدم ينبغي ألا ننظر إلى القوة من حيث الكم فقط، بل من حيث الكيفية أيضا. إن مجموع القوة في الكون لا ينقص بل يبقى كما هو، وإنما تحول القوة من حال إلى حال يستمر في اتجاه واحد ولا ينعكس بتاتا. هذا هو ناموس القوة الثاني، ولكن ليس كل ما تقدم شرحه هو كل ما يعني بهذا الناموس الثاني، بل هناك شيء آخر جوهري لا بد من بسطه. (4) عاملية القوة في حياة الأجرام
إن القوة عامل جوهري في بناء المادة الكونية، وفي حياة الأجرام منذ نشوئها إلى انقراضها ، فتحولها من أعلى إلى أدنى كما تقدم بيانه إنما هو تحول عامليتها - أي: عملها - من أقوى إلى أضعف، أو من أنفع إلى أقل نفعا. قد يمكن أن يسهل على القارئ فهم هذا الناموس إذا مثلناه بماء يجري من جبل إلى الساحل في مجرى متعرج، فهو يجري في مجرى مائل إلى تحت تارة، ثم في مجرى أفقي تارة أخرى، ثم في مجرى مائل إلى تحت، وهلم جرا، ولكنه لا يستطيع أن يجري في سبيل مائل إلى فوق من أسفل إلى أعلى، بل يستمر جاريا من أعلى إلى أسفل، إلى أين؟ إلى البحر حيث ينتهي جريه.
هكذا القوة تتحول من حال أعلى فاعلية إلى حال أدنى، ولكن لهذا التحول نهاية، وهو بحر الفضاء، فالكون المادي وهو يشع أمواج القوة
2
إلى الفضاء لا يستطيع أن يستمر في إشعاعها إلى الأبد؛ لأنه يندثر رويدا بشكل أمواج شعاعية، إلى أن يضمحل في ذلك البحر الفضائي العظيم الذي هو أدنى أشكال التحول. وهناك تنتهي حياة الكون وتنتهي حياة القوة العملية. القوة كلها باقية في ذلك البحر ولكنها فقدت «خاصة التحول».
قد يلوح في بال القارئ أن مجرى القوة المنحدر من ذرات المادة في سلسلة تحولات إلى أن يبلغ إلى بحر الفضاء؛ يحتمل أن يعود من ذلك البحر مكونا عالما ماديا آخر، فتعيد القوة الكرة ثانية من أعلى إلى أسفل على نحو ما فعلت سابقا - كما أن ماء النهر المنحدر من أعالي الجبال إلى البحر يعود فيصعد بخارا في الهواء، ثم يهطل مطرا على الجبال ويعود إلى جريه السابق، وهكذا دواليك إلى ما لا نهاية له.
ولكن هذا قياس مع الفارق. النهر يستمر في جريه ما دامت المياه ترتفع بخارا في الهواء وتنهطل مطرا، ولكن ما الذي يرفع الماء بخارا؟ حرارة الشمس. فما دامت الشمس ذات حرارة فالبخار يرتفع والمطر يهطل والنهر يجري، فأين العامل الذي يرفع القوة من بحر الفضاء بحيث تستأنف عملها ثانية؟ لا نعرف قوة أخرى ترفع القوة «التي هبطت إلى أوقيانوس الفضاء» إلى مقامها الأول، لكي تستأنف إنشاء الكهارب والنوى وتأليف الذريرات في سدم ... إلخ، وتعود إلى نمط التحول النازل الذي بسطناه آنفا.
فقياس «تنازل القوة» إلى مجرى الماء غير تام من هذه الوجهة، ناهيك بأن الشمس التي حرارتها ترفع الماء ستذوب في المستقبل؛ إذ تنطلق كل حرارتها ونورها إشعاعا في الفضاء. وهكذا مصير كل جرم، هذا المصير يحتمه ناموس القوة الثاني، ويؤيد هذا الناموس الاختبارات العلمية الصادقة، وليس في نواميس الطبيعة ومظاهرها ما يؤيد مظنة عودة القوة إلى مقامها الأول وإعادتها الكرة ثانية كما يتكهن بعض أهل العلم.
ناپیژندل شوی مخ