فلسفة الوجود
الوجود
الباب الأول: النظام المادي
1 - التجمع
2 - الدورية1
3 - التفريع أو التفرع
الباب الثاني: النظام الحيوي
4 - ما هي الحياة؟
5 - التجمع والتفرع الحيويان
6 - مقام الحياة في الكون
ناپیژندل شوی مخ
7 - الدورية في الحياة
الباب الثالث: النظام العقلي
8 - ما هو العقل؟
9 - العقل الاجتماعي
10 - الشخصية
الباب الرابع: قضايا فلسفية
11 - العلل والمعلولات
12 - اللانهايات الثلاث
13 - الأزل والأبد: السرمد
14 - في ما وراء الوجود المادي1
ناپیژندل شوی مخ
فلسفة الوجود
الوجود
الباب الأول: النظام المادي
1 - التجمع
2 - الدورية1
3 - التفريع أو التفرع
الباب الثاني: النظام الحيوي
4 - ما هي الحياة؟
5 - التجمع والتفرع الحيويان
6 - مقام الحياة في الكون
ناپیژندل شوی مخ
7 - الدورية في الحياة
الباب الثالث: النظام العقلي
8 - ما هو العقل؟
9 - العقل الاجتماعي
10 - الشخصية
الباب الرابع: قضايا فلسفية
11 - العلل والمعلولات
12 - اللانهايات الثلاث
13 - الأزل والأبد: السرمد
14 - في ما وراء الوجود المادي1
ناپیژندل شوی مخ
فلسفة الوجود
فلسفة الوجود
تأليف
نقولا حداد
أهدي الكتاب
إلى ابني العزيز الدكتور فؤاد الحداد الكيماوي.
ذكرى مناقشاتنا في أعماق الذرة وأقاصي الكون الأعظم.
فلسفة الوجود
هذا العنوان كبير على هذا الكتاب.
لولا أن الكتاب أسرفوا في استعمال «فلسفة»؛ فلسفة الجمال، وفلسفة الحب، وفلسفة الألوان ... إلخ؛ ما جرؤت على استعمالها لهذا الموضوع الذي هو أجدر من غيره بهذا اللقب الشريف.
ناپیژندل شوی مخ
كان التعمق في المعرفة العلمية يعتبر فلسفة، حتى إلى زمان نيوتن وبعده؛ فكان كل ما كتب نيوتن عن الجاذبية والنور والطبيعة ... إلخ يعتبره علماء عصره فلسفة، على أن علماء العصر الأخير رأوا أن كل ما يجوز الامتحان العملي والاختبار المعملي يحسبونه علما، ولذلك نقلوا كثيرا من المواضيع الفلسفية القديمة إلى دار العلم، ولم يتركوا للفلسفة إلا ما يسمونه «ما وراء الطبيعة» - وهذه كلمة مبهمة أيضا - ومواضيع الفلسفة الأدبية
Ethics
كالحق والعدل والحرية، والسبب والمسبب، والعلل والمعلولات ... إلخ. ومع ذلك نقلت هذه أيضا إلى دار العلم. وإذن صارت الفلسفة ثانوية بالنسبة إلى العلم؛ وبهذا الاعتبار ألقينا على هذا الكتاب وشاح الفلسفة، مع اعترافنا بأنه يضفي عليه كثيرا.
السلك الذي نظمت فيه حلقات هذا الكتاب هو «سنة الجاذبية»؛ وبهذا الاعتبار تكون الجاذبية علة كل حركة في الوجود، هي «القوة القصوى» المحركة الأكوان، وإذا شاء المؤمن فهي في يد الله؛ هو ضابط الجاذبية، وهو محركها، وما هي إلا «الموتور» في يده - تعالى، وهو- تعالى - يمنحها القوة التي هي ينبوع كل القوى.
معظم نظريات هذا الكتاب خاصة بي، لم أقتبسها من مؤلف آخر، ولذلك يحتمل أن يكون فيها ما يقبل الشك أو الاعتراض أو النقد، فأمنن لمن ينتقد.
نقولا الحداد
الوجود
تمهيد
الوجود مادة متحركة في حيز «مكان».
المكان عرض أولي عينته المادة.
ناپیژندل شوی مخ
والزمان عرض ثانوي، هو مقايسة المكان بالحركة.
1
فكأن الوجود مبني من ثلاثة عناصر: المادة، والحركة، «الزمان»، والمكان. هذه العناصر مختلفة الطبع كل الاختلاف، واختلافها يهيئ تنظيم البناء وتنويعه.
انحلال كتل الكون إلى ذرات أولية متماثلة - فوتونات؛ أي: ضويئات - يدل على أن أصل المادة «الهيولي» شكل واحد متعدد الذرات أو الذريرات؛ ذرة واحدة لا تبني كونا غير نفسها.
ذرات عديدة متماثلة تبني كونا واحدا بسيطا لا تمايز بين أجزائه، ولكن حدوث حركة الذرات في المكان يؤدي إلى تنويع الأبنية الكونية؛ فالكون على صوره العديدة المختلفة الأشكال مكون من هذا الثالوث: المادة والحركة والحيز.
هل يكفي لبناء الكون مجرد وجود هذا الثالوث؟ نرى تشابها في صور الكون وأشكاله، ثم نرى ارتباطا بين أجزائه وجماعاته؛ فتقيم هذه الرؤية في ذهننا وجودا آخر معنويا لهذا الارتباط وذاك التشابه، وهو وجود نظام تصاغ بمقتضاه صور الكون وأشكاله - هو هندسة الكون.
هذا النظام هو تكافل عناصر الثالوث المذكور ببناء الكون على أساليب تضمن ارتباط أجزائه والتدرج في تطوراته درجات متصل بعضها ببعض.
وهنا تلوح في بالنا الأمور التالية: (1)
هندسة النظام تستلزم عملية تنظيم. (2)
التنظيم يستلزم وجود أعضاء نزوعة للنظام، تنتظم في جسم. (3)
ناپیژندل شوی مخ
وجود الأعضاء يستلزم أن تكون ذات شخصيات - ذاتيات. (4)
النظام يستلزم وجود منظم.
فهندسة الكون - أي: نظامه - تقتضي وجود أعضاء نظامية وتنظيم ومنظم، فأين نجد هذه الثلاثة؟ •••
الأعضاء النظامية هي عناصر الثالوث المذكورة آنفا التي لا يمكن وجود واحد منها مستقلا عن الآخرين: المادة وجدت متحركة في حيز؛ فالعناصر المذكورة متوقفة بعضها على بعض، وفناء أي واحد منها فناء لجميعها.
والتنظيم ظاهر في أن جميع أجزاء الكون سائرة على قانون أنظمة واحد، ناف للفوضى نفيا مطلقا.
أما المنظم فهو ما يتعذر إدراكه، هل هو طبيعة في ذرات المادة نفسها؛ أو هو فاعل مستقل عنها؟
المادة نفسها تثبت وجودها لعقليتنا بنفسها، وتثبت أيضا أنها هي منشأ عقليتنا؛ لأن عقليتنا منفعلة بها. وأما الفاعل المستقل فليس ما يثبت وجوده لنا، وإنما افترضناه؛ لأنه تعذر علينا أن نفهم كيف يمكن أن يكون المنظم طبيعة في ذرات المادة.
فإذا قلنا: إن المنظم الحر الإرادة هو طبيعة في ذرات المادة نفسها غير مستقل عنها تعددت الإرادات الحرة بتعدد الذرات؛ فإن اتفقت كلها على نظام واحد استوى كونها حرة وكونها غير حرة؛ لأن لا معنى للحرية إلا بوجودها إلى جنب قيد، وإن استقل كل منظم بمقتضى حريته كان شكل الوجود فوضى ولا نظام. وإن افترضنا أن إرادات الذرات متماثلة فيما تريد، ولذلك اتفقت على نظام واحد، قام الشك في حريتها؛ لأننا لا نتيقن أنها حرة إلا باختلاف ما تريده، ولذلك يتعذر علينا فهم أن ذرات المادة نفسها نظمت نفسها، كما أنه يتعذر علينا أن نفهم أنها أوجدت نفسها، أو خلقت نفسها.
وإذا افترضنا أن المنظم مستقل عن الثالوث المادي الذي ذكرناه، وأنه فاعل فيه بحسب مشيئته، فكأننا نقلنا مشكلة الخلق من المادة إلى منظم المادة، وتبقى المشكلة مشكلة.
فإذن، مسألة السببية
ناپیژندل شوی مخ
Causation
تقف هنا حيث لا نستطيع أن نستكشف مسببا للوجود المادي ولا لنظامه، هنا يقف العقل عاجزا؛ لأنه يستحيل عليه أن يفهم أكثر مما ينفعل به، وهو لا ينفعل بأكثر من فعل المادة نفسها فيه، لا يستطيع أن يتخطى إلى الفاعل البدائي - أي: الصلة الأولى - الذي يفعل فيها ويصوغها في نظامها.
العقل نتيجة تفاعلات مادية، كأنه ظاهرة من ظاهراتها، أو نوع حركة من حركاتها، فإذا توقفت أو تعطلت هذه الحركة انتفى العقل بتاتا؛ فهو كالنور الصادر من الشمس، فإذا سكنت كل حركة في الشمس انقطع انبعاث النور؛ لذلك لا يستطيع العقل أن يستقل عن المادة وينفصل عنها ، ويقيم بذاته في مقام يستطيع منه أن يشرف على المادة ويتبين أصلها وفصلها.
إذن فمقدرة العقل في الإدراك محدودة ضمن دائرة ظاهرات المادة التي هو واحد منها؛ فيستحيل عليه أن يخرج من دائرة الظاهرات ويتغلغل في أعماق كنه الجوهر. هذا المستحيل هو أعظم المستحيلات على العقل البشري من ناحيته، وأبسط أسرار المادة المحجبة من ناحيتها.
فمن ذلك نرى أن العقل على عظمه بين ظاهرات المادة، وعلى تعاليه فوقها للإشراف عليها - على الظاهرات؛ هو ضعيف جدا، وحقير وعاجز عن استكناه جوهر المادة، لا يستطيع في هذا الاستكناه إلا التكهن اعتمادا على قوة الاستدلال والاستنتاج القابلة الخطأ. •••
إذن فلكي نستطيع أن نجعل بدءا للبحث - أي: أن نعين النقطة لأول خطوة فيه - يجب أن نفترض فرضا يتوسط بين الغرضين السابقين، وهو أن النظام نفسه عنصر من عناصر الوجود غير مستقل عنه، هو رابع العناصر الثلاثة التي رأيناها مواد البناء الأولية؛ أي: إن الوجود مبني من أربعة أشياء: المادة، الحركة، المكان، النظام. أعني أن سبب وجود النظام هو نفسه سبب وجود ذلك الثالوث سواء أكان ذاتيا أم من فعل فاعل مستقل. إن الذي خلق الثلاثة خلق الرابع أيضا، خلق أربعة لا ثلاثة فقط؛ فالوجود رابوع لا ثالوث. •••
هنا يتجلى لنا سؤال ذو شأن عظيم: هل كان ممكنا أن يتنظم الكون نظاما آخر غير نظامه الحالي الذي نعرفه؟ أم إنه يستحيل أن يكون له نظام آخر غير هذا؟
إن كان الأمر الأول ممكنا كان المنظم حرا - سواء كان ذاتا من خواص المادة أو مستقلا عنها - وقد اختار هذا الشكل من الأنظمة دون أشكال أخرى، ويحتمل أنه متى انتهى عمر هذا النظام يعود فينظم نظاما آخر.
ولكن الظاهر لنا من سلسلة السببية؛ أي: سلسلة النظام التي كل حلقة منها سبب لحلقة أخرى بعدها؛ الظاهر لنا من هذه السلسلة أنه لا يحتمل أن يكون للكون إلا نظام واحد، وهو النظام الذي نعرفه له الآن، اللهم إلا إذا كان ثمت منظم مستقل حر الإرادة في وسعه أن يجعل له نظاما آخر لو شاء، وهو ما لا مبرر لافتراضه أكثر من المبرر لافتراض أن هذا الرابوع المادي موجود كما هو بنفسه.
وإذا كان ذاك الغرض لا يمتاز على هذا بشيء سوى أنه يزيد حلقة في سلسلة السببية بلا داع، فالأفضل أن نبتدئ من فرض أن الوجود وجد مهيئا لهذا النظام. وبعبارة أخرى أقرب منالا: إن المادة وجدت متحركة، في حين أنها نزوعة إلى هذا النظام. النظام رابطة الثلاثة.
ناپیژندل شوی مخ
ولأننا لا نستطيع أن نتصور نظاما غير هذا، فهو إذن طبيعة في المادة نفسها أو سجية فيها.
الباب الأول
النظام المادي
ما هو النظام العام؟
أولا:
عملية التنظيم العام تجري على ثلاثة أشكال: (1)
التجمع. (2)
الدورية. (3)
التفرع.
ثانيا:
ناپیژندل شوی مخ
حاصل هذا التنظيم أطوار متنوعة في أبنية الوجود، حصل منها إلى الآن ما يأتي: (1)
تكون الذرات فالجزيئات. (2)
تكون السدم والأجرام والسيارات. (3)
تكون الخليات من الجزيئات في فرعي الحياة. (4)
حدوث العقل الفردي. (5)
حدوث العقل الاجتماعي. (6)
والله أعلم ماذا يحدث بعد هذه الخمسة.
ثالثا:
الشخصية.
بحثنا يمضي في هذه المواضيع المتداخلة، نبحث أولا في عملية التنظيم، ثم نفصلها في كل عن حاصلاته الخمس.
ناپیژندل شوی مخ
ولا يخفى أن أشكال عملية التنظيم تجري معا متكافلة؛ ففي حين يحدث التجمع يكون دوران الوحدات الذرية وغيرها حادثا أيضا، وفي الوقت نفسه يحدث التفرع.
فإذا ابتدأنا بشرح التجمع؛ فلأنه بطبيعة الحال أول ما يلفت النظر.
الفصل الأول
التجمع
(1) الدرجة الأولى: التجمع الذري
إن أول خطوة في نشوء الكون هي تجمع ذرات الإيثر «أو بالأحرى فوتونات المادة؛ أي: ضويئاتها، إن كانت الفوتونات غير ذرات الإيثر»؛ من تجمعها في كهارب وكهيربات تتكون الذرة.
1
الفوتون «الضويء» - على حد علمنا - أبسط وحدة في المادة؛ أي إن ربوات الفوتونات التي تشغل حيز الوجود «المكان
Space » متماثلة. فكيف تجمع بعضها في صنفي جماعتين مختلفتين - جماعة البروتونات «الكهارب» وجماعة الكهيربات «الإلكترونات»، جماعة البروتون - الكهرب - 1840 ضعف جماعة الكهيرب، وجماعة الكهيرب تعد عشرة آلاف فوتون - ضويء، وكل كهرب يقابله كهيربه.
قلنا آنفا: إن الحركة في الحيز من جوهريات عناصر الوجود، فالفوتونات تحركت متجاذبة فتجمعت في جماعاتها، والتجاذب طبيعة فيها، أو هو سجيتها كما خمناه؛ إذ لم نجد له سببا غير هذا. فكيف تجمعت مبدئيا على شكلين: كهرب وكهيرب؟ لماذا لم تتجمع مبدئيا على شكل واحد أو ثلاثة أشكال أو أكثر؟
ناپیژندل شوی مخ
هذا ما يتعذر علينا فهم سببه: على أنها لو تجمعت على شكل واحد لما تنوعت مركباتها، فحدوثها على شكلين كفل تنوعها، ولا لزوم لتجمعها على ثلاثة أشكال أو أكثر، ولو تعددت أشكالها لتفاقمت أنواعها جدا.
نكاد في تحدد تجمعها على شكلين فقط: كهرب وكهيرب، لا شكل واحد، ولا ثلاثة أشكال أو أكثر؛ نلمس المنظم الحر الإرادة الحكيم التدبير. (1-1) التجمع البسيط: تكون البروتون «الكهرب»
رأينا في ناموس الجاذبية
2
أن الجذب إلى المركز في جسم يدور على محوره يكفل تزاحم الأجزاء حول المركز إلى حد معين، وبعد هذا الحد لا يكفل ارتباط الأجزاء السطحية فيه لسبب عامل آخر غير الجذب، وهو عامل الدوران المحوري الذي يقاوم الجذب، فيتغلب الدفع عن المركز على الجذب إليه «
Centrifugal
أكثر من
Centripetal »، وقد علمنا من ناموس الجاذبية أيضا أن الدوران المحوري ابتدأ منذ ابتدأ التجمع. وعلمنا أيضا أن قوة الجذب تنقص كمربع البعد، وعلمنا أن قوة التجاذب مناسبة لكتلة الذرات المتجاذبة، فإذا راعينا هذه الحقائق جميعا معا أمكننا أن نتصور أن قوة التجاذب الفوتوني لا تستطيع أن تضبط حول مركز واحد أكثر من عدد معين من الفوتونات متزاحمة حوله على شعاع
Radius
معين مقرر، وقد اكتشف العلم حديثا أن هذا العدد هو 18400000 فوتون، فما زاد عليه تنفضه قوة الدوران المحوري البعيدة عن المركز؛ لأن قوة الجذب عند آخر الشعاع تصبح ضعيفة بالنسبة إلى قوة النفض. فحجم الفوتون، ووزنه، وتزاحم الفوتونات في جسم كروي، وسرعة الدوران المحوري؛ كل هذه قررت أن لا يزيد البروتون عن 18 مليون و400 ألف فوتون. (1-2) التجمع الأبسط: تكون الكهيرب «الإلكترون»
ناپیژندل شوی مخ
هكذا تكون البروتون. فكيف تكون الكهيرب - الإلكترون؟
الكهيرب هو جماعة فوتونات - 10 آلاف فوتون - كانت منجذبة إلى مركز البروتون مع ما انجذب إليه من الفوتونات ، ولكن قوة التشريد عن المركز أبعدتها عنه، وجعلها التموج الأيثري الحادث من دوران الكهرب المحوري تدور حول الكهرب على بعد مناسب حسب قانون التسارع؛ فتجاذبت في فلكها وتجمعت في الجماعة التي نسميها: كهيربا، وهي بنوبتها تدور حول مركز الكهيرب دورانا محوريا أيضا، ودورانها هذا مع دورانها في فلكها جعلها أقل كثافة من الكهرب - البروتون - بحيث تساويه حجما مع أنه 1840 ضعفا منها كتلة؛ لذلك يعتبر الكهيرب - الإلكترون - أكثر تعرضا للتفتت أو التفكك من البروتون - الكهرب، كما هو معلوم من أن معظم أشكال التشعع غير الكهرطيسي هي من صنف جاما. وهو فوتونات لا تعبئة كهربائية فيها. (1-3) التجمع المركب: تكون الذرة البسيطة
رأينا آنفا أنه متى تكون البروتون - الكهرب - تكون معه كهيرب - إلكترون، فمن البروتون المفرد وكهيربه تتكون أبسط ذرة في الوجود وهي ذرة الهيدروجين، والغالب أنها أول ذرة تتكون في بدء التجمع الفوتوني؛ ولذلك هي أكثر الذرات عددا في السدم المتكاثفة.
بدء التجمع لا يستلزم أن يكون دائما تكون البروتونات علة لتكون الإلكترونات، فقد يحتمل أن تتكون أولا جماعات لا هي بروتونات ولا هي إلكترونات، وإنما لا تلبث أن تتجمع هذه الجماعات، فتتكون منها بروتونات بحكم سرعة دورانها المحوري التي هي سرعة مقررة أو مستقرة
Constent . وتسبب دوران جماعتها المحوري بسرعة مناسبة لها ولعدد الفوتونات المتجمعة. والجماعة لا يستتب كيانها إلا إذا كان عددها 18 مليونا وذات شعاع «نصف قطر» طوله واحد من 125 مليون من القيراط، ويحتمل أن تتكون إلكترونات وبروتونات، ولكنها لا تلبث أن تتجمع وتتمازج في بروتونات. (1-4) التجمع المركب: تكون الذرة المركبة
سنرى فيما يأتي في هذا الفصل أن عملية التجمع المستمرة تنتج ضغطا على الأجزاء المتزاحمة حول المركز؛ فلنسلم الآن أن من مقتضيات التجمع الضغط، وأن هذا الضغط المتتابع من ذرات على ذرات يحدث أمرين معا:
أولا:
أن الإلكترونات التي تحت الضغط تضعف سرعتها في أفلاكها حول بروتوناتها فتهبط إلى بروتوناتها.
3
وبسبب الضغط نفسه لا تستطيع البروتونات أن تشردها عنها بقوة التشريد عن المركز
ناپیژندل شوی مخ
Centrifugal ؛ لأنها هي نفسها قلت سرعتها أيضا، وهذه الحال هي ما نسميه الحياد الكهربائي
Neutrality ؛ أي: إن البروتون المتحد مع إلكترونه ليس في حالة التعبئة الإيجابية - هو النيوترون
Neutron .
ثانيا:
أن هذا الضغط نفسه يحدث انضمام بعض البروتونات إلى بعض، فتتداور بعضها حول بعض بحكم التموج الأيثري الذي يحدثه فيما بينها، وتصبح كأنها جماعة أو أسرة واحدة. يحدث هذا الانضمام بين بروتونات مختلفة في سرعة الدورة المحورية وفي الاتحاد الكهربي؛ أي: إن بعضها معانقة إلكتروناتها وبعضها غير معانقتها، هذا الاختلاف يسهل تجمعها في أسرة واحدة، ولولاه لتعدد تجمعها، ولكان غير مستتب.
هكذا تكونت الذرات المركبة من بروتونين فأكثر، وتعددت حتى بلغت إلى ذرة الأورانيوم ذات ال 238 بروتونا، والبلوتونيوم ذي ال 239 بروتونا.
لذلك نرى في الشمس وأمثالها من الأجرام أن الذرات الثقيلة توجد غالبا حول المركز؛ لأنها تحت الضغط الشديد، والخفيفة توجد بعيدة عنه، وربما وجدت هناك ذرات أخرى أثقل من الأورانيوم لا توجد أنداد لها في أرضنا، ولهذا نرى أن الذرات الثقيلة هذه متى برحت من تحت الضغط صارت عرضة للتفكك بواسطة الإشعاع الموجي
Radiation ؛ لأن كل تجمع يكون أكثر عرضة للتفكك كلما كان كبيرا، كما سنرى.
ووجود الأورانيوم وسائر الذرات الثقيلة في أرضنا يدل على أنها ولدت في الشمس حين كان تكاثفها كافيا لإنشاء ضغط كاف لتكوين هذه العناصر الثقيلة، ولذلك نرى أن مقادير هذه العناصر الثقيلة على الأرض قليلة جدا بالنسبة إلى مقادير العناصر الخفيفة؛ لأن الأرض وسائر السيارات تولدت من قشرة الشمس السطحية حين لم يندفع من وسطها إلى سطحها إلا القليل النادر من العناصر الثقيلة، وكلما تقادم الجرم يشتد الضغط بتقلصه فتتكون فيه ذرات عديدة البروتونات، لا وجود لمثيل لها في أرضنا. أكثف الذرات عندنا الأورانيوم ووزنه الذري 238 وفيه هذا العدد من البروتونات والنيوترونات، ولكن في قلب الشمس من الذرات ما هو مركب من أضعاف هذا العدد من البروتونات، قد يناهز السبع مائة بروتون في ذرة واحدة، وفي بعض الأجرام أكثر من ذلك، ولا يخفى عليك أنه كلما كثر عدد البروتونات في الذرة أصبحت عرضة للتفكك والتشعع إذا خف الضغط عنها.
وسنرى أن الضغط لا ينتج تكون الذرات المركبة فقط، بل ينتج شيئا من الفوضى بين البروتونات والإلكترونات أيضا، بحيث تنقطع الروابط فيما بينها في بعض الأحوال فتصبح الإلكترونات متشردة بين البروتونات بلا نظام. (1-5) مركب المركب
ناپیژندل شوی مخ
في كتابنا عالم الذرة شرحنا كيفية تكون الجزيئات من ذرات مختلفة شرحا كافيا. فليراجع هناك.
في المركبات المعدنية لا تتجاوز ذرات الجزيء بضع عشرة، ولا تبلغ هذا العدد إلا في النادر، ولكن المركبات العضوية «النباتية والحيوانية» تبلغ ذرات بعض جزيئاتها بضع مئات، وسنلم بها في موضعها. •••
رأينا فيما تقدم أن الجزيء مركب من ذرات، والذرة من بروتونات وإلكترونات، وهذه من فوتونات؛ أي: إن التجمع هنا خطا ثلاث خطوات، والائتلاف في كل منها شديد بحيث إن المركبات متماسكة في الجزيء الواحد تماسكا متينا، يجعلها متمايزة غير ملتبسة في التجمع الأكبر الذي يتألف منها كما سترى. (2) الدرجة الثانية: تجمع التجمع
يعتبر الجزيء نظاما تاما قائما بنفسه مستقلا بتحركه، وبين عناصره تجاذب تام قوي يحفظ كيانه، وإنما يحتمل أن يتفاعل مع جزيء آخر أو أكثر، فينشأ من تفاعلهما جزيء جديد أو جزيئات جديدة أو أكثر، ولكن مهما حدث من التفاعل؛ فلا بد من تجمع الذريرات في جزيئات إلا نادرا - في بعض العناصر الراسخة كالأرجون. وكذلك لا بد من ارتباط البروتونات بالإلكترونات، إلا حيث كان الضغط شديدا محدثا فوضى.
فالتجمع الراسخ هو تجمع الفوتونات في الجزيء على 3 درجات كما رأيت. هنا قوى التجاذب أشد جدا منها في التجمعات التالية. (2-1) التكتل
الجزيئات، والذرات التي لم تتألف بعد في جزيئات، أو لم يتيسر لها هذا التآلف، وإن كانت مستقلة بنظامها الداخلي، فنظامها هذا لا يمنع أنها تنتظم في نظام آخر أعم وأكبر، بحيث لا يستطيع أي جزء - أو أية ذرة - أن يستقل بحيزه استقلالا تاما بين ملايين أوربوات الجزيئات المجاورة له، ما دام متحركا - دائرا - في حيزه ككل جزيء غيره، وما دام البحر الأيثري يتموج بحركة كل جزيء وتصادم أمواجه كل جزيء.
فالجزيئات والذرات، بتداخل هذه الحركة الموجية، مختلطة الحيزات متبادلتها متجاذبة متدافعة حسب سنة الجاذبية؛ لذلك وهي تتكون تحتشد في حيز أكبر متجاذبة إلى مركز واحد مزدحمة حوله ازدحاما تتوقف شدته: (1) على عدد الذرات التي تتجاذب متكتلة في كتلة واحدة مستقلة عن كتل أخرى مثلها، يفصل بينها حيزات رحيبة. (2) على قربها إلى المركز. وهذا الزحام هو سبب الضغط الذي أشرنا إليه آنفا، وهو يساوي عدد ذرات الكتلة مقسوما على الشعاع - نصف القطر - ذ/ش، ونسبه في مناطقه كمربع البعد؛ فكلما كان عدد الذرات عظيما والشعاع قصيرا كان الضغط أشد، وإذا راعينا الزمان في أمر هذا الزحام كما راعينا المكان أدركنا أن الضغط لا يستمر على وتيرة واحدة، بل يشتد رويدا رويدا حول المركز، وباشتداده تتآلف ذرات وجزيئات جديدة كثيرة البروتونات، كما أنه تتفتت جزيئات أخرى وتتيه إلكتروناتها بلا نظام.
حين تتكون الذرات والجزيئات في أثناء هذا التكتل الذي نحن بصدده يحدث هذان التجمعان متعاصرين، فقد لا يسبق أحدهما الآخر، وإن كان ثمت سبق فهو لتكون البروتونات والإلكترونات، ولا يلبث أن يليه الشروع بالتكتل، وفيما يكون التجمع الأول والتجمع الثاني - تجمع التجمع - حادثين لا يفرغ الحيز من فوتونات غير متيسر لها التجمع بسبب عرقلة التجمعات الأخرى لها.
فالسدم المنفصلة بعضها عن بعض هي التكتلات التي نصفها ونعلل وجودها أو نشأها، وهي في أول عهدها مؤلفة خليطا من بروتونات مجردة من إلكتروناتها، ومن إلكترونات منفصلة عن بروتوناتها، ومن ذرات تامة التكون، ومن جزيئات تامة التكون أيضا، ومن فوتونات حائرة لم تتألف بعد، وكلما تقادم عهد السديم ازداد عدد جزيئاته وذراته، وقل عدد بروتوناته المجردة وإلكتروناته التائهة وفوتوناته الخائرة. (2-2) تكتل التكتل
الكتلة المتكونة على هذا النحو، المستقلة بحيزها، المنفصلة من جاراتها، تكون نظاما تاما قائما بنفسه ذا مركز تتجاذب ذراته إليه من كل ناحية، ومحور تدور حوله حسب سنة التسارع.
ناپیژندل شوی مخ
ولكن استقلالها بنظامها لا يمنع أن ترتبط بنظام آخر أكبر وأعم، بسبب أن هذه الكتل - وهي لا تزال متجاورة - ينازع بعضها بعضا كأنها تغزو بعضها بعضا، فتتغلب كبيرة على صغيرة، وتجذبها إليها، أو ترجح جاذبية واحدة على جاذبية أخرى فتسلخ منها نطفة أو كتلة، وهكذا تصبح الكتلة مجموعة كتل كل واحدة منها ذات نظام خاص لها، وجميعها مشتركة بنظام واحد عام، تتجاذب فيه إلى مركزها، وتدور حولها دورة أخرى غير دورتها على نفسها، كما سنشرحه في محله. وفي المجرة كثير من هذه الكتل المستقلة بنظامها من ناحية، والمشتركة بنظام المجرة العام، كالنظام الشمسي والنظم العنقودية والكوكبات
Constalations . (2-3) قوى روابط التجمع
نظرة إجمالية فيما تقدم من الشرح ترينا السنة العامة لروابط التجمعات المختلفة، أو تتجلى لنا فيها سنة الجاذبية كأنها القوة الوحيدة التي تربط هذه التجمعات المختلفة.
نلاحظ أن التجمعات الأولى الدقيقة - الكهارب والكهيربات - أمتن من التجمعات الثابتة - الذرات، وهذه أمتن من التجمعات الثالثة - الجزيئات؛ ذلك لأن فوتونات البروتون أشد تقاربا من فوتونات الإلكترون، وفوتونات الاثنين أكثر تقاربا من الكهارب والكهيربات في الذرة، وتقارب هذه أكثر من تقارب الذرات في الجزيء، وبحسب قانون الجاذبية قوة التجاذب تشتد كمربع البعد عن المركز. وبناء عليه أمتن التجمعات تجمع فوتونات البروتون وأضعفها تجمع الذرات في الجزيء؛ لذلك حل الجزيء وتفتيته أسهل من حل الذرة، وحل هذه أسهل من حل الكهيرب، فالكهرب، كما هو معلوم. ولذلك أيضا نرى أن القوة الصادرة من حل الكهرب أعظم جدا جدا من القوة الصادرة من حل الكهيرب، إن تيسر تفتيت كل منهما، وإلى الآن لم يتيسر إلا تفتيت الذرة ثم تفتيت نواتها إلى بروتونات وإلكترونات متفرقة، وقد ظهر أن القوة الصادرة من تفتيت الذرة عظيمة جدا فما بالك في القوة التي تصدر من تفتيت البروتون والإلكترون إذا تيسر تفتيتهما صناعيا واعتقال القوة الصادرة منهما واستخدامها - وقد تيسر هذا في القنبلة الذرية كما يعلم القارئ في كتابي «عالم الذرة» حيث يتضح كيف أن تفتيت الذرة يصدر قوة.
نحن نعرف القوة الصادرة من حل الذرة، أو بالأحرى من فصل كهيرب واحد منها ونقله إلى ذرة أخرى، وهي قوة الكهرباء التي تحولها إلى قوة ميكانيكية باستخدامها في مغنطة الحديد، وكذلك نعرف القوة الصادرة من حل الجزيء إلى ذرات تتبادلها الجزيئات المختلفة، وهي قوة الكهرباء الكيماوية في البطاريات، ونعرف جيدا أن القوة الأولى أضعاف أضعاف القوة الثانية.
نسمي النظام الذري نظاما كهربائيا؛ لأن الذرات تتبادل كهاربها تبادلا متتابعا نسميه تيارا كهربائيا، ونسمي النظام الجزيئي نظاما كيماويا؛ لأن الجزيئات تتبادل ذراتها مقايضة، فتتحول من صنف إلى صنف، ولكن هذه التسمية لا تدل على تنوع التجاذب بين الوحدات المتجاذبة سواء كانت فوتونات أو بروتونات أو إلكترونات أو ذرات أو جزيئات؛ فالتجاذب واحد فيها جميعا، وسنته واحدة وهي ناموس الجاذبية بعينه، وإنما الفرق بين التجاذبات في هذه المذكورات إنما هو في حدة الجذب بسبب تقارب الوحدات أو تباعدها. ليس سوى هذا.
وإذا تجاوزنا النظر في الذرة والجزيء إلى النظر في أنواع التكتل المختلفة نرى قوة التجاذب أصبحت أضعف جدا؛ لشدة تباعد الجزيئات بعضها عن بعض، ككتل الغاز وكتل السوائل وكتل البلورات وكتل سائر الجوامد، فهذه سهل حلها جدا، ولذلك فالقوة الصادرة من حلها ضعيفة جدا بالنسبة إلى القوة الصادرة من حل الذرات. حسبك أن تقارن القوة الصادرة من الآلة البخارية بالقوة الصادرة من المولد الكهربائي، بمراعاة مقدار المواد المستخدمة لكل من العمليتين؛ فترى الفرق الهائل.
ونحن نسمي قوة التكتل بجاذبية الملاصقة وجاذبية الالتصاق والجاذبية الشعرية ونحو ذلك، وما خرجت عن كونها الجاذبية العامة بعينها، وإنما هي ضعيفة جدا هنا لتباعد الذرات والجزيئات جدا بالنسبة إلى تباعد وحدات الذرات.
وإذا انتقلنا إلى عالم السدم والأجرام رأينا قوة التجاذب في منتهى الضعف بحيث تدع جسيمات الكتل الغازية متفرقة وكتل السدم والأجرام مبعثرة مشتتة، وهي أميل إلى التباعد منها إلى التقارب، كما هو معلوم من تمدد الحيز الكوني وانتفاخه، وتشتت السدم والمجرات في الفضاء اللامتناهي.
الفصل الثاني
ناپیژندل شوی مخ
الدورية1
فيما كان التجمع حادثا على اختلاف أنواعه المتعاصرة كانت الحركات الدورانية جارية للقيام بمهمة التجمع؛ أي: إن التجمع كان يحدث بحركات دورانية؛ ولذلك لا نرى بدا من شرح نظام الدورية قبل استئناف الشرح لأطوار التنظيم الأخرى: الحياة، والعقل، والاجتماع - التي هي ضروب أخرى من التجمع بأساليب الحركات الدورانية، كما سيتضح جليا حين بحثنا فيها. (1) الاستدارة
ولا بد أن يكون القارئ قد لاحظ في متن كتابنا «جاذبية نيوتن» أن الحركة التي يقتضيها التجمع إنما هي ذات صفتين؛ الأولى: انتقال قدر من المادة من حيز محدود بها إلى حيز آخر. والثانية: أن هذا الانتقال لا يكون في حال من الأحوال في خط مستقيم بالمعنى الإقليدوسي - أقصر مسافة بين نقطتين، ولا يلتقي طرفاه - بل يكون في خط منحن يلتقي طرفاه في محيط دائرة، أو يكون قوسا من دائرة. فالحركة التي يحدثها تجمع وحدات المادة وتوزعها هي تنقل الوحدات من نقطة إلى نقطة مجاورة حسب قاعدة المقدار «الكونتم
Quantum » على التوالي، بحيث يتكون من النقط المتجاورة التي تتنقل عليها المادة في خط منحن، ولذلك يتراءى لمخيلتنا أن حيز مجال الجسم المتحرك من طبعه منحن. والحقيقة أن تحرك المادة الطبيعي هو الذي رسم حيزه أو خططه
2
منحنيا؛ لأن المكان
Space
من طبيعة المادة نفسها، وتحرك المادة من نقطة إلى أخرى في المكان ابتدع الزمن كما علمت في مقدمة هذا الباب، فلو انتفت المادة بتاتا لفني معها المكان والزمن جميعا.
ولا يمكن أن تكون الحركة في خط مستقيم للأسباب التالية: (1)
الانحناء؛ لأن المادة «المتحركة» ليست كتلة غير متناهية، بل هي كتلة محدودة المقدار، فلو تحركت أجزاؤها أو وحداتها في خطوط مستقيمة مختلفة الاتجاهات لتشردت في الفضاء اللامتناهي، ولما حدث شيء من تجمعاتها التي نشاهدها، ولو تحركت جميعا في اتجاه واحد بسرعات متفاوتة لحدث هذا التشرد نفسه، ولو تحركت في اتجاه واحد بسرعة واحدة لكان سكونها وتحركها سيين؛ إذ ليس ما يميز النسبة بين الحالتين. (2)
ناپیژندل شوی مخ
لأن المادة ليست كلا غير مجزأ أو غير قابل للتجزؤ، بل هي أجزاء أو وحدات متعددة متجمعة وجماعات وحدات مؤلفة للكل، فلا مقتضى لأن تتحرك كلها جملة واحدة. ولو كانت تتحرك جميعها معا حركة واحدة ما كان من فرق بين كونها كلا قابلا للتجزئة، وكونها كلا غير قابل لها، إذن كونها كلا نظاميا مؤلفا من وحدات مختلفة متحركة في اتجاهات مختلفة يستلزم أن يكون تحركها في خطوط منحنية بحيث تتلاقى أطرافها. وتحركها في خطوط منحنية هو الذي أنقذها من التشرد الذي يفضي إليه التحرك في خطوط مستقيمة. (3)
الكروية: لو كان تحرك المادة في خطوط مستقيمة لأفضى تشردها في الخطوط المستقيمة إلى أمرين؛ الأول: أن يكون الحيز المادي غير متناه، والواقع المعروف الآن أن الحيز المادي متناه وهو ذو حجم محدد.
3
الثاني: أن يكون الوجود المادي فوضويا خلوا من النظام. ونحن نرى الواقع نظاما تاما متقنا.
فإذن، تحرك المادة في خط مستقيم في مجتمع منظم أمر مستحيل، أو أن المجتمع المنظم كما عرفناه يلزم أن تكون الحركة فيه في خط منحن حتما، وإلا فقد نظامه وتفكك تجمعه، وتحركه في خط منحن يستلزم أن يكون ذا مركز يتم حوله دائرة الخط المنحني؛ لأن الخط المنحني مهما كان انحناؤه قليلا أو كثيرا لا بد أن ينتهي بدائرة أو شبه دائرة متشاكلة
Symetrical
بالنسبة إلى المركز كالدائرة الإهليليجية مثلا. ومن الدوائر يتكون السطح الكروي فالجسم الكروي، وإذن فالكروية حتمية لكل جسم متناه منظم حول مركز.
وإذا راعينا السنة الأساسية وهي أن سبب الحركة «الجاذبية العامة»، وأن أجزاء المادة تتحرك متجاذبة حول مركز، لا يبقى عندنا وجه للاعتراض على حتمية انحناء خط الحركة.
وإذا كان الجسم أو الذرة أو كل وحدة مادية متحركا في خط منحن يتم بدائرة فإذن يكون تحركه دوريا؛ أي: إنه يجري أدوارا متعاقبة باعتبار أن كل دور هو تحرك الوحدة في دائرة أو شبه دائرة تامة أو قوس محدود من دائرة. ولهذا سميت الحركة المادية التي هي أحد أشكال التنظيم «الدورية» إطلاقا على كل حركة في خط منحن سواء كان التحرك في دائرة تامة أو في بعض الدائرة في قوس فقط كحركة الرقاص
، أو اهتزاز الوتر أو التموج ... إلخ.
ناپیژندل شوی مخ
إذن فبحثنا في الدورية يشمل كل حركة مادية في كل مكان وزمان؛ ولأن التحرك في خط منحن هو نزوع إلى الدوران حول مركز، فالبحث يتناول فن الدوران الذي ابتدعته الطبيعة، وتكاد كلمة الطبيعة تكون مبهمة، وإنما نعني بها هنا تكامل عناصر الوجود الأربعة: المادة والحركة «الزمانية» والمكان والنظام. (2) أساليب الدورية: الدوران
وجدت الهيولي أو خلقت ذات سجيتين رئيسيتين: (1)
ذريرات أو فوتونات تتجاذب أو تتقارب بعضها إلى بعض. (2)
كل ذريرة أو فوتون يدور على نفسه.
السجية الأولى - التقارب - كانت السبب الرئيسي للتجمع.
السجية الثانية - الدوران - كانت السبب الرئيسي للتفرع.
الدوران نوعان: (1)
الدوران المحوري
Rotation
وهو خاصة كل وحدة من وحدات الهيولي كالفوتون والبروتون والكهرب، وكل جسم متماسك الأجزاء كتلة واحدة كالأرض وسائر السيارات والأجرام؛ فأي جسم من هذه يدور كله جملة واحدة على محوره. (2)
ناپیژندل شوی مخ