في شكل حركات عضلية كالإشارات الكتابية ونحوها، وهذه تصدر أو تعكس أمواجا نورانية تنتقل إلى العيون فالأدمغة، وتحدث فيها الحركات الخليية التي تصدر نفس الفكرة؛ تلك عن طريق العين، وهذه عن طريق الأذن.
فنرى أن التموج الكهرطيسي هو الوسيط الموجي الذي تنتقل فيه أمواج الفكرة من دماغ إلى أدمغة عديدة؛ إذن الحركة الفكرية تنتشر في جو كهرطيسي كانتقال النور والحرارة ... إلخ، سواء في الدماغ الواحد أو في جماعة أدمغة. (2) العقل مركز التموج
الفكر إذن صورة من صور القوة - الطاقة، وقوته تمتاز بكونها قوة تنظيمية، أو قوة سيطرة تسيطر على قوى المادة، بمعنى أنها إذا تسددت إلى قوة مادية طوعت حركتها طبقا لها؛ فالفكرة الصادرة من مركز زعامة أو مركز ابتكار نبوغ إذا انتشرت أوعزت إلى عقليات أخرى أن تتحرك بفكرات مماثلة لها؛ فقوة هذه الفكرة المركزية لم تتوزع على العقليات العديدة، وإنما هي أثارت قوى العقليات العديدة لكي تحذو حذوها؛ فالفكرة التي نشأت في هذه العقليات العديدة طبقا للفكرة المركزية كانت تحركا بقوة العقليات نفسها، بإيعاز الفكرة المركزية؛ فالفكرة المركزية هي «كالزنبلك» الذي يحركه الميكانيكي بقوة ضعيفة، فيطلق العنان للآلة الميكانيكية أن تدور بالقوة المودعة فيها، لا بقوة الزنبلك. ما كانت حركة الزنبلك إلا إيذانا لها بالدوران.
بهذه القوة الفكرية الممتازة يقود الزعيم القوم والقائد للجيش، وكلاهما يحمسان الجماعة لفعل الأفعال العظيمة، وما كانت قوته الفكرية إلا إيعازا لقوى الجماعة أن تفعل الفعل الموعز به.
ثم إن هذه القوة الفكرية تمتاز بكونها تخزن ولا تضمحل، ففيما نحن نقرأ مثلا تعاليم موسى أو عيسى أو محمد تنشط في أدمغتنا التفكيرات بمبادئ هؤلاء الأنبياء والرسل وننشط نحن للتحدث بها، أو الكرازة وللعمل بموجبها، وفيما نحن نشاهد آثار الأقدمين التي هي مخزونات فكراتهم ينشط فينا التفكير بها، وقد نضع مثلها ولو بتعديل وتنقيح، وفيما نحن نقرأ تاريخ نيرون تنشط فينا أفكار الحنق عليه. ففكرة الأنبياء والرسل وفكرات الأقدمين الأثريين وفكرة نيرون؛ كانت قوة مخزونة كلما عرضت لنا أثارت فينا فكرات تقتضيها.
فإذا كانت ثمت أرواح خالدة فهي هذه الفكرات المخزونة الخالدة في الكتب والرسوم والآثار التي تثير فينا فكرات مضارعة لها أمس واليوم وغدا إلى ما شاء الله أن تبقى الحياة على الأرض تنتج عقولا. (3) رد فعل العقل على الحياة والمادة
فهمنا أن العقل - فرديا أو اجتماعيا - هو نتيجة تفاعل الذرات الأربع في خليات الدماغ - التفاعل الكيماوي المتواصل السريع بلا انقطاع - فما انقطع في شخصية حي إلا بعد أن تناولته أحياء بعده. بقي أن نعلم أن للعقل تأثيرا على المادة الحية أو التي بلا حياة - وهو رد فعل عظيم - هو تأثير الحي في البيئة، فلا يقتصر هذا التأثير على فعل العقل السامي - عقل الإنسان - بل يعم سلسلة العقول من أدناها إلى أعلاها، ولكن أضعفه في الدنيا منها وأقواه في العليا.
الجيولوجي ينبئنا عن التغييرات التي حدثت على سطح الأرض، حدثت بفعل الحياة الدنيا؛ فالمرجان أنشأ جزرا في البحار، والغابات تستمطر السماء حيث لم يكن مطر من قبل، وأمطارها جرت أنهارا وسيولا جرفت الأتربة من الأعالي إلى الأسافل. تكفي هذه الإشارة المختصرة إلى تطوير الحياة للبيئة كرد فعل لتطوير البيئة للحياة.
وإذا صعدنا إلى العقل البشري وجدنا تأثيره في المادة عجابا؛ العقل سيطر على كثير من نواميس الطبيعة فطوعها واعتقلها واستخدمها؛ سيطر على تيارات الكهارب واستولد منها نورا وقوة ميكانيكية، كما سيطر على حرارة البخار فاستولد بواسطتها هذه القوة، فضلا عن التيار الكهيربائي.
لا متسع لوصف ما فعله العقل البشري من التطورات المادية على سطح الأرض، كيفما التفت وفكرت وجدت نماذج هذه الأفعال العجيبة التي أنتجتها القوى العقلية، وإذا اطلعت على ما اكتشفه العقل من أسرار الطبيعة، وعلل ظاهراتها في الأرض والسماء وتحت الأرض وما وراء السماء؛ دهشت لمقدرة هذا العقل.
ناپیژندل شوی مخ