انګلیزي فلسفې په سل کلونو کې (لومړی برخه)
الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)
ژانرونه
تعبيرا عن اعترافات شخصية عظيمة أكثر مما تعد نظرية مذهبية بالمعنى الضيق. فهي لم تكن نتاجا لأية مدرسة أو اتجاه فلسفي خاص، بقدر ما كانت ثمرة للقوى والحركات العقلية العامة التي أضفت على العصر الفكتوري طابعه وميزاته الخاصة. وبفضل الاتصالات الشخصية والأدبية التي أقامها مارتينو، كان أكثر تغلغلا في هذه الحركة من معظم المفكرين الآخرين في عصره. ولعل من أهم أسباب ذلك طول حياته، التي بدأت من السنة التالية لوفاة كانت، ولم تنته إلا بعد بداية القرن الجديد، واشتمل عمره على حوالي ثلاثة أجيال، وبذلك شهد ظهور وانقضاء عدة تيارات وحركات فكرية مختلفة. ولذا كان تطوره الذهني يرجع إلى فترة أسبق كثيرا من الفترة التي نعرضها ها هنا؛ إذ يبدأ من العقد الثالث في القرن الثالث الماضي، ثم يمتد طوال جزء غير قليل من مجرى هذه الفترة، ليصل إلى قمته الحقيقية في فترة النضج الكامل الوضاء خلال عمر متقدم كانت له فيه مواهب نادرة، والواقع أن الكتب التي جلبت لمارتينو أكبر قدره من الشهرة الفلسفية تكاد كلها تكون منتمية إلى فترة كهولته المتأخرة جدا،
5
ولا توجد قطعا أية حالة أخرى لمفكر وصل إلى أعلى درجات الإنتاجية الخلاقة فيما بين سن الثمانين والتسعين من عمره. وإلى هذا الحد تكون أعمال مارتينو وتأثيره منتمية أساسا إلى الفترة موضوع البحث في هذا الجزء من كتابنا، وإن يكن إنتاجه الفكري قد بدأ في فترة أسبق بكثير.
وترجع الأهمية الخاصة لتطور مارتينو، من حيث هو فيلسوف، إلى أن هذا التطور يعكس السمات المميزة لثقافة عصره في مجموعها، وقد عرض هذا التطور في مقدمته لكتاب «أنماط من النظرية الأخلاقية»، فقد تأثر بعمق، في شبابه ورجولته المبكرة، بطريقة التفكير التجريبية والحتمية التي كانت سائدة في البيئة الوثيقة الصلة به، وأصبح على التوالي من الأتباع المخلصين لتعاليم كل من لوك وهارتلي وكولينز وإدواردز وبريستلي وبنتام وجيمس مل. ولكن حتى في ذلك الوقت كانت تطرأ على ذهنه من آن لآخر شكوك حول صحة هذه المذاهب، وإن تكن صداقته الوثيقة لمل الابن قد خففت من شكوكه مؤقتا. ولكن بدأ يحدث داخله تحول عميق، انتهى بصورة مؤقتة عام 1840، وأدى إلى انشقاقه صراحة عن نمط التفكير الذي كان يقبله من قبل، وكان من الواضح أن هذا التغيير قد حدث نتيجة لنمو باطن أكثر مما حدث نتيجة لمؤثرات خارجية. فقد كشف له تأمله العميق في مشكلات التجربة الباطنة عن عامل لم يكن قد لاحظه حتى ذلك الحين، وهو وظيفة الذهن المستقلة بذاتها في الإرادة والمعرفة، والتي تنطوي على شيء مختلف ومستقل عن مجرد تغير الظواهر والنوازع وتعاملها، وتظل خلال هذا التغيير محتفظة بهوية ثابتة. وكانت مشكلات الوعي الأخلاقي هي التي تشغله أكثر من غيرها، فقد بدأ يدرك المعنى العميق لأفكار مثل المسئولية والذنب والجدارة والواجب، وأصبح وجها لوجه إزاء مسألة احتمال وجود عالم مثالي لما ينبغي أن يكون من فوق كل موجود تجريبي، واحتمال كون هذا العالم المثالي هو الذي يستطيع أن يمده بوجهة النظر التي يمكن من خلالها فهم المعنى الحقيقي للإرادة البشرية وللسلوك البشري. فالمذهب الطبيعي
Naturalism
لم يمكنه من تقديم إجابة على هذه الأسئلة المحيرة؛ ولذلك تخلى عن تلك النظرة إلى العالم، التي تؤكد أن كل حادث باطن - لا كل حدث ظاهر فحسب - يخضع لقانون علي دقيق، ثم أدى به الاختبار النقدي لمشكلة العلية إلى مراجعة دقيقة للمذهب الذي سبق له قبوله، ومهد الطريق للكشف الذي أصبح فيما بعد من السمات الرئيسية لتفكير مارتينو.
وهكذا كان مارتينو قد تمكن، عندما بلغ سن الأربعين، من التغلب على المذهب الطبيعي في نقاط أساسية معينة، غير أن تحوله التام إلى المثالية كان نتيجة اطلاعه المباشر على الفلسفة الألمانية وإعجابه بها أثناء فترة الدراسة في برلين في شتاء 1848-1849. ولقد رأى هو نفسه، عندما بلغ الشيخوخة، أن هذه التجربة كانت لها أهمية عظمى في تطوره الذهني، فتحدث عن «ما يمكن أن يقال عنه إنه تعليم ثان تلقيته في ألمانيا» سار فيه «بإرشاد سديد من المرحوم الأستاذ ترندلنبرج
Trendelenburg
قبل غيره»، ووصف تأثير هذه التجربة بأنه «ميلاد روحي جديد»، على أن هذا الاتصال بترندلنبرج، شارح أرسطو المشهور، الذي حضر مارتينو محاضراته في المنطق وتاريخ الفلسفة، لم يمده بأي مذهب فلسفي تام الإعداد كان يستطيع أن يتخذه لنفسه بأكمله، ولم تكن ميتافيزيقا ترندلنبرج بأسرها مقبولة لديه. وإنما كانت نتيجة هذا اللقاء هي أنها أمدته لأول مرة بفهم عميق للتطور الكامل للتفكير الفلسفي منذ العصر اليوناني القديم حتى الفلاسفة الألمان المحدثين؛ فتمكن بذلك من أن يلمح الارتباطات الباطنة والقوى الروحية الفعالة في جميع المذاهب الماضية العميقة، ومن أن يجمعها كلها سويا. وعلى هذا النحو حصل ما لم يكن لديه من قبل، أي على ذلك العتاد العقلي الذي تمكن بفضله من أن يجمع في وحدة فلسفية واحدة بين مختلف الأفكار النظرية والأخلاقية والدينية التي كانت تدور في رأسه وتكافح من أجل التعبير عن نفسها تعبيرا واضحا. وكتب هو ذاته من برلين (في 25 فبراير سنة 1849)، يقول: «إن محاضرات ترندلنبرج في تاريخ الفلسفة قد لبت حاجاتي تماما، فلم تعرض علي مذهبا، وإنما أمدتني بمرشد أمين لمصادر المذاهب اليونانية القديمة والألمانية الحديثة، وأتاحت لي على أفضل وجه فرصة لإعادة النظر في آرائي الخاصة وتصويبها» (حياة جيمس مارتينو
Life & Letters of James Martineau
ناپیژندل شوی مخ