178

فلسفه ډولونه او مسایل یې

الفلسفة أنواعها ومشكلاتها

ژانرونه

فالمعنى الأول والأقدم للفظ «النزعة الإنسانية» هو ذلك الذي يعبر عن تلك المحاولة التي بذلت في ميدان الأدب والنقد الأدبي. كذلك فإن هذه الحركة التي ظهرت في عصر النهضة قد وضعت على الأساس الاشتقاقي للفظ؛ أعني التركيز الدائم على الإنسان، وحياته في هذه الدنيا، والإمكانات الرائعة لهذه الحياة. وينبغي أن يلاحظ أن هذه النزعة الإنسانية الأصلية لم تكن ترفض الدين بوصفه أحد العناصر المكونة للحياة الخيرة، وإنما هي قد نبذت على وجه التحديد، الرهبنة والتعصب وكل محاولات إعطاء القيم الدينية المكانة العليا، لا سيما إذا كانت المكانة العليا تعني التضحية بأي جزء من الماهية الأساسية للإنسان. (1) المعاني الحديثة «النزعة الإنسانية»

أما المعاني الرئيسية الأخرى «للنزعة الإنسانية» فلها أصل أحدث عهدا ، إذ إنها وضعت، إلى حد بعيد، خلال القرن الحالي. ويعد كل من هذه المعاني تأكيدا لجانب معين من المعنى الشامل للفظ. فهناك مثلا نوع من الفلسفة البرجماتية وضعه أكبر البرجماتيين الإنجليز، وهو ف. ك. س. شيلر أطلق عليه اسم «النزعة الإنسانية» على وجه التحديد. ويتلخص موقف شيلر الأساسي في تلك الجملة المشهورة التي اقتبسها من بروتاجوراس، المفكر المعاصر لسقراط وأفلاطون: «الإنسان مقياس الأشياء جميعا». ومع ذلك فلما كان اهتمام شيلر الرئيسي منصبا على مجال المنطق ونظرية المعرفة، لا على مجال الأخلاق، فقد كان من الطبيعي أن يؤكد المعايير البرجماتية والإنسانية «للحقيقة» و«الصواب»، أكثر مما يؤكد معايير «الخير». وكان يعتقد، بوجه عام، أن أي حديث عن الحقائق المطلقة أو العالية أو الأولية هو حديث عقيم. فنحن نعرف ما نعرف نتيجة لتجربتنا الإنسانية البحتة، نظرا إلى أن هذه التجربة تتغير من جيل إلى جيل، فلا بد أن نتوقع تغير معرفتنا وحقائقنا بدورها.

وعلى الرغم من أن شيلر قد وضع مذهبه في الأعوام الأولى من القرن العشرين، قبل أن تصل التجريبية المنطقية الحديثة إلى مرحلة نموها الحالية، فمن السهل أن ندرك وجود علاقات معينة بين هذه النزعة الإنسانية الإنجليزية وبين التفكير الوضعي الحديث الذي ناقشناه في الفصل الحادي عشر. مثال ذلك أن المدرستين تتفقان على أنه لا توجد وسيلة يستطيع بها الإنسان تجاوز تجربته من أجل اكتساب معرفة عن حقيقة مزعومة تعلو على التجربة. ومن هنا فإن أي حديث عن «حقائق أزلية» أو «مطلقة» لا يعدو أن يكون لغوا ... صحيح أن في استطاعتنا أن نحلم بهذه الماهيات غير القابلة للمعرفة، وقد نود لو كان في إمكاننا إثبات وجودها. ولكن لما كان من المستحيل إثبات هذا الوجود - لأن إثباته لا يكون إلا عن طريق التجربة، وليس ثمة وسيلة ممكنة للخروج عن التجربة من أجل الاهتداء إلى ما يوجد «خارج التجربة - فإن أية عبارة تزعم أنها تعبر عن حقيقة فوق التجريبية، أو غير بشرية، هي عبارة لا معنى لها. ذلك لأن الإنسان - كما لا يمل شيلر تذكيرنا - هو «مقياس الأشياء جميعا»: مقياس ما هو موجود، على أنه موجود، وما هو غير موجود على أنه غير موجود». فالتجربة الإنسانية هي وحدها التي تستطيع أن تنبئنا بما هو موجود وما هو غير موجود، ولا يمكن أن نستمد من أي مصدر غيرها معرفة بشأن حقيقة التجربة الفعلية أو طبيعتها. وهكذا فإن الوضعية الحديثة، وكذلك المذهب الذي يمكن تسميته «بالنزعة الإنسانية الإبستمولوجية»، تتخذ من المبدأ السابق أول حقيقة أساسية بسيطة لحياتنا الذهنية، وهما معا متفقان في الحملة على ذلك العدد الهائل من المدارس الفلسفية، واللاهوتية التي تنكر هذه الحقيقة البسيطة. (2) النزعة الإنسانية الدينية

هناك نوع آخر من النزعة الإنسانية أشهر بكثير من النوع السابق، كما أنه أثار حوله قطعا مزيدا من الجدل، هو ذلك الذي يعرف عادة باسم «النزعة الإنسانية الدينية». ومن سوء الحظ أن هذا اللفظ بدوره ينطوي على خلط غير قليل؛ إذ إن نفس الأشخاص الذين يسمون أنفسهم بالإنسانيين الدينيين ليسوا متفقين حول ما يعنيه هذا الاصطلاح. وكل ما يتفق عليه هؤلاء جميعا هو معارضتهم للمذاهب المسيحية ذات الاتجاه السلفي التقليدي الكلفيني الأشد تمسكا. فالإنسانيون يعارضون بوجه خاص الاهتمام الذي تبديه هذه الطوائف بالخطيئة الأولى، وانحطاط الإنسان وعجزه بدون المعونة الإلهية. ولكن الإنسانيين الدينيين، بعد تفنيدهم لهذه المذاهب المتطرفة التي تؤكد الكمال المطلق لله والنقص المطلق للإنسان، قلما يتفقون على مضمون العقيدة التي يدعون إليها.

وأخطر الصعوبات التي تواجه هؤلاء المفكرين تنشأ من تعريف لفظي «الدين» و«الله»، بل من مفهومي هذين اللفظين. فلقد حاول جميع هؤلاء الإنسانيين الدينيين تقريبا تخفيف العنصر الخارق للطبيعة في الدين، بل إن بعضهم حذف تماما كل ما هو خارق للطبيعة. وكان معنى ذلك بطبيعة الحال إعادة تعريف لفظ «الدين» إذ إن الدين، والقول بما هو خارق للطبيعة، لا ينفصلان بالنسبة إلى العالم الغربي. وفي بعض الحالات اقترن حذف هذا العنصر الخارق للطبيعة، أو الإقلال من أهميته، إلى استغناء مناظر عن فكرة الله، ولكنه أدى في حالات أخرى إلى إعادة تعريف هذا اللفظ. ومع ذلك فمن الواجب أن نعترف بأن إعادة التعريف هذه بلغت في كثير من الأحيان حدا جذريا أدى إلى الاستغناء عن فكرة الله بطريقة مستترة غير مباشرة، بدلا من أن يكون ذلك بطريقة صريحة مباشرة.

تعريف «الله» : يميل الإنسانيون الدينيون إلى تعريف الله من خلال المثل العليا الإنسانية والمبادئ الاجتماعية وحدها. وقد جمع «كورليس لامونت» وهو مؤلف أمريكي مشهور بكتاباته عن النزعة الإنسانية نماذج لتعريفات الألوهية ذات الاتجاه الاجتماعي هذه، وفي اعتقادي أن خير ما يمكنني عمله هو اقتباس بعض التعريفات من هذا المصدر.

1

مثال ذلك أن ديورانت دريك يقول: «إن الله هو الذات الشاملة في كل منا، وهو إرادتنا الخيرة ومثاليتنا والعقل الذي يجمعنا معا ويدفعنا إلى الأمام بقوة داخلية قاهرة نحو تلك الحياة المثلى التي نصبو إليها حين نكون في أحسن أحوالنا». ويصف جيسي ه. هولمز الله بأنه العنصر الداخلي الموحد، الذي يدفعنا نحو الوحدة في عالم من الإخاء. ويقول هنري نلسون ويمان، الذي اشتهر خاصة بمحاولاته تعريف الله على أسس إنسانية: «إن الله هو التفاعل المتبادل بين الأفراد، والجماعات، والعصور، وهو التفاعل الذي يولد أعظم قدر ممكن من الخير المتبادل ويساعد على تحقيقه.»

ولسنا بحاجة إلى القول إنه، مهما يكن سمو هذه المفاهيم الخاصة بالله، فإنها قطعا لا تكاد تشترك في شيء مع التعريفات التقليدية للألوهية. مثال ذلك أنه لا توجد صلة بينها وبين المفاهيم المختلفة لله، التي نوقشت في الفصل الذي عرضنا فيه من قبل مذهب الألوهية المفارقة، بل إن من العسير في الواقع أن نتصور كيف يتسنى للقائل بالنزعة الإنسانية، مهما يكن حسن نيتهما، أن يتجنبها الغموض والخلط إذا ما حاولا أن يتفاهما عقليا حول موضوع الألوهية في عمومه. وليس معنى ذلك أن أصحاب مذهب الألوهية المفارقة «على صواب» وأن الإنسانيين «على خطأ» في مفاهيمهم، بل إن قصدنا الوحيد هو أن نذكر الإنسانيين بأن عبء البينة اللغوية إنما يقع عليهم إذا ما اختاروا الاحتفاظ بلفظ ظل طوال قرون عديدة يحمل معنى عاما واحدا ، مع تأكيدهم ضرورة استخدام هذا اللفظ بحيث يؤدي معنى مختلفا. إن لكل متحدث أو كاتب الحق في تعريف ألفاظه كما يشاء، غير أن الإنسانيين الدينيين كثيرا ما يتهمون بأنهم يطلبون من قرائهم أو سامعيهم أكثر مما ينبغي عندما يستخدمون معنى تقليديا بمعنى غير تقليدي على الإطلاق، ثم يتوقعون من القارئ أن يقوم بالتعديل اللغوي المناسب في كل مرة يظهر فيها اللفظ.

تعريف «الدين» : ينطوي مفهوم «الدين» عند النزعة الإنسانية على كثير من المشكلات المماثلة، المتعلقة بالمعنى اللغوي. ذلك لأن بعض الإنسانيين حين أكدوا أن الدين مسألة اتجاه أو موقف، لا مسألة مضمون، قد أدرجوا ظواهر كالشيوعية، بل كالإلحاد ذاته، ضمن «الأديان». وقد أحسن «لامونت» التعبير عن هذه المسألة؛ إذ قال: «إن بعض هذه التعريفات المعادة تنسب ضمنا اسم الدين إلى أية دعوة منظمة تنظيما اجتماعيا، تنجح في كسب ولاء الناس وعواطفهم. وعلى هذا الأساس تصبح كرة القدم، ونقابات العمال، والأحزاب السياسية، والجيوش، بل وجمعيات الشعر أيضا - تصبح هذه ضروبا من النشاط الديني».

ناپیژندل شوی مخ