179

فلسفه ډولونه او مسایل یې

الفلسفة أنواعها ومشكلاتها

ژانرونه

2

وبالاختصار، فإن الإنسانيين الدينيين قد سعوا إلى الاحتفاظ بمفهوم «الدين» لكي يدل على كل نشاط ينطوي على مبادئ رفيعة، وله اتجاه اجتماعي، بغض النظر عن وجود أي عنصر عال أو خارق للطبيعة فيه أو عدم وجوده. ولهذا التعديل ميزة واضحة، هي أنهم يستطيعون بفضله النظر إلى أوجه نشاطهم في ميدان النزعة الإنسانية ذاتها على أنها «دينية»، ويمكنهم أن يؤكدوا للعالم أن للإنسانيين، كما لمعظم الناس دينا. ولكن فيه عيبا واضحا هو أنه يولد الخلط والاضطراب، ما دامت النزعة العلوية - في شكل من أشكالها - كانت على الدوام أساسية للدين، في العالم الغربي على الأقل.

ولعل أشهر وثيقة صورت عن النزعة الإنسانية الأمريكية هي «البيان الإنساني

Humanist Manifesto » المشهور الذي وضع عام 1933م، ووقعه كثير من المثقفين والزعماء الدينيين ذوي الاتجاه المتحرر. وقد حاولت هذه الوثيقة الرائعة الصغيرة، من خلال ما ورد فيها من أقوال، أن تدرج أنواعا فرعية متعددة من النزعة الإنسانية تحت فئة عامة واحدة، ولذا فقد أدرجت فيها النزعة الإنسانية الدينية بطبيعة الحال. ولكن لما كانت مجموعة الموقعين قد اشتملت على عدد من اللاأدريين المعروفين، فلم يكن هناك مفر من اتخاذ موقف وسط. وكانت النتيجة تعريفا للدين لن تكون دهشة المتدينين إزاءه - على الأرجح - أقل من دهشة غير المتدينين في وقت نشره. فالتعريف يقول: «إن قوام الدين هو تلك الأفعال والغايات والتجارب ذات الدلالة الإنسانية».

والواقع، كما أشار نقاد النزعة الإنسانية الدينية، أن من الصعب أن نرى شيئا لا يدخل ضمن نطاق هذا التعريف، ما دامت لمعظم أوجه النشاط الإنسانية دلالة إنسانية. ومن المؤكد أن هذا التعريف يشمل الفن، والتعليم، والخدمة الاجتماعية، والسياسية، والنشاط النقابي، والتشريع، والعلم، وما شابهها. غير أن كل من يسعى إلى أن يكون تفاهمه العقلي مع الآخرين دقيقا، قد اكتشف أن أي تعريف يشتمل على كل شيء لا يكون له معنى. وعلى ذلك فإن معظم الناس لا يفهمون من التعريف، في هذه الحالة بعينها، إلا القليل.

وينبغي أن نعترف بأن النزعة الإنسانية الدينية قد أخذت على عاتقها مهمة تكاد تكون مستحيلة؛ ولذا ينبغي أن نتعاطف معها عندما يبدو أنها تواجه صعوبات. فهي تحاول الإتيان برأي في الحياة البشرية ومصير الإنسان يسير في اتجاه مضاد لمذهب الألوهية المفارقة المسيحي في كل نقطة تقريبا. ولكن لما كان ذهب الألوهية المسيحي هذا هو ذاته ما يعنيه معظم الناس في أوروبا وأمريكا «بالدين»؛ فإن من المستحيل على معظمنا أن نغير طريقة فهمنا للمعاني في كل مرة نستمع فيها إلى كلمة «الدين». على أن هذا هو بعينه ما تطلب إلينا النزعة الإنسانية الدينية القيام به. فهي تستخدم لفظ «الدين» و«الديني» بتوسع كبير، تماما كما تفعل مع لفظ «الله»، و«الإلهي». ومع ذلك فهي تتوقع منا أن نقوم بعملية تحويل ذهنية في كل مرة يظهر فيها اللفظ، وهو قطعا عمل أشق من أن يؤديه معظمنا بسهولة وهم يقرءون أو يسمعون.

وبالاختصار، فإن الإنساني الديني يحاول تشييد دين يظل الجزء الأكبر من مضمون الدين التقليدي خارج عنه. وهو يؤمن بالله - ويعني بذلك مجموع كل الأماني الاجتماعية للجنس البشري، والقوى الفكرية التي تعمل في التاريخ. وهو يؤمن بالخلود - بمعنى حفظ المجتمع للدور الذي أسهم به كل فرد في التقدم الإنساني. والأهم من ذلك كله أنه يؤمن بالإنسان، ولا سيما غايات الإنسان وإنجازاته المثالية. فكل ما يسهم في تحقيق سعادة البشر إلهي، وكل أوجه النشاط التي تعمل على بلوغ البشرية أعلى درجات التقدم والتطور هي أوجه نشاط دينية. هذه هي الدعوة المقدسة كما تراها النزعة الإنسانية الدينية المعاصرة. (3) النزعة الإنسانية الطبيعية

أما الفرع الرئيسي الأخير الذي سنعرض له بالبحث، من بين فروع النزعة الإنسانية، فلعل أفضل تسمية له هي النزعة الإنسانية الطبيعية وإن كان لفظ النزعة الإنسانية العلمية أوسع انتشارا. وكما توحي كلتا التسميتين، فإن لهذه الفلسفة صلة وثيقة بالمذهب الطبيعي الفلسفي، الذي درسناه دراسة مفصلة في الفصل الرابع، وبالنظرة العلمية إلى العالم في عمومها. بل إن من الدقة أن ننظر إلى هذا النوع من النزعة الإنسانية على أنه هو النظرية الأخلاقية، أو فلسفة القيم، التي تستخلص من المذهب الطبيعي بأكبر قدر من الإحكام المنطقي. ولو أطلقنا عليها اسم المذهب «الطبيعي التطبيقي»، لما كان في ذلك خروج على النزعة الإنسانية ولا على المذهب الطبيعي.

ولا جدال في أن أبرز تعاليم النزعة الإنسانية الطبيعية هو تفنيدها القاطع لكل أشكال العلو على الطبيعة. وترى هذه الفلسفة، بدلا من ذلك، أنه لا يوجد إلا نظام واحد للوجود - هو العالم الطبيعي - وأن الإنسان كائن طبيعي فحسب، ليس لسعادته ورخائه من مصدر سوى جهوده الخاصة التي لا يعتمد فيها على شيء. وكما سبق لنا أن رأينا في الفصل الخاص بالمذهب الطبيعي، فإن هذا المذهب ينظر إلى الكون على أنه سوى أو غير مكترث بالبشر، وكذلك بالحياة بجميع أشكالها. فالطبيعة لا تمدنا إلا بما يمكننا أن نسميه بالمواد الخام التي نستطيع أن نشيد على أساسها حياة مرضية لنا وربما لذريتنا. غير أن الطبيعة لا تضمن لنا شيئا. فنحن مستقلون، معتمدون على أنفسنا، في بيئة لا تضع خططا، ولا تعرف تفضيلات أخلاقية، ولا تعد أحدا بشيء.

كذلك يرفض الإنسان الطبيعي، بنفس اللهجة القاطعة، ما يسميه «بأوهام الخلود». فهو يعتقد أن «هذه الحياة هي كل شيء، وهي كافية». وهو لا ينكر أن معظم الناس يتوقون إلى البقاء؛ ومن هنا فلا بد أن يعد شعورهم هذا أمرا طبيعيا. ولكن هذا أمر لا علاقة له بإمكان البقاء؛ أي إننا لا نستطيع أن نستدل من وجود هذا الحنين لدى الناس، على أن من الضروري إرضاء شعورهم هذا. ومع ذلك فإن الاهتمام الحقيقي للقائل بهذا النوع النزعة الإنسانية، لا ينصب على النتائج السلبية لهذه الفكرة الرئيسية، وإنما على إثبات أن هذه الحياة ذاتها يمكن أن تكون مرضية إلى حد يكفي لجعل توقع الموت أمرا مقبولا من الوجهة النفسية. أما كونه ينجح في مهمته هذه أم لا، فذلك بالطبع قرار يتوقف على مقدار صلابة ذهن قارئه - أو سامعه - أو رقته. فالطبيعيون والماديون وأمثالهم لا يجدون صعوبة في قبول حجج صاحب النزعة الإنسانية في هذه المسألة، غير أن هناك بالطبع مدارس أخرى تخالفه بكل قوة. ويرى صاحب النزعة الإنسانية الطبيعية أن كل الجهود العديدة التي تبذل لإثبات وجود الله أو الخلود تنطوي على تفكير مبني على التمني، ويرى في هذا كله دليلا على افتقار كل من يبذل هذه الجهود إلى النضج الانفعالي والعقلي.

ناپیژندل شوی مخ