ولا يعلم منذ علي عليه السلام إلى وقتنا هذا قبول داع واعتباره وهو معروف بالتخليط وقلة الورع، بأن يظهر التوبة بعد دعوته أو ينبه عليها، فيسعد إليها ليتم مراده، وأن هذه لقضية قطعية، وخطيئة شنيعة، فإن الإمام تؤخذ عنه الأديان، ويتصرف في الأرواح والأموال، ويستأمن على حقوق الله، وينفذ ما حكم به وقضاه، فكيف ذلك والورع معدوم، وعدم العدالة معلوم، والإقلاع عن الظلامات موهوم؟ لقد وجد الشيطان طريقا إلى التمويه، ومدخلا من جنبة التلبيس والتشبيه، فهلموا بنا رحمكم الله تعالى إلى بناء الأمور على قواعدها ومطالعة أسفار العلوم الدينية لنطلع على فوائدها، ودعوا ما يريبكم إلى مالا يريبكم، كما أمر به في صحيح الأخبار نبيكم، فإن الحق أبلج، والباطل لجلج، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم : «البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك» (1)، واعتبروا الورع فإنه عمدة الشرائط وواسطة الوسائط عن نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم : «بئس العبد عبد تجبر واختال، ونسي الكبير المتعال، بئس العبد عبد يختل الدنيا بالدين، بئس العبد عبد مستحل المحارم بالشبهات» (2)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «كن ورعا تكن أعبد الناس...» الخبر (3)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «خير دينكم الورع» (4)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «أفضل الدين الورع» (5)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما به البائس» (6) ، وقيل له صلى الله عليه وآله وسلم : من الورع؟ قال: «الذي يقف عند الشبهات» ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «لا يدخل الجنة جسد غذي بحرام» (1)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت» (2)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «يا كعب بن عجرة: إنه لا يدخل الجنة لحم ودم نبت على سحت النار أولى به، يا كعب بن عجرة: الناس غاديان، فغاد في فكاك نفسه، وغاد فموبقها» (3)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «الدنيا خضرة حلوة من اكتسب فيها مالا من حله وأنفقه في غير حقه أدخله الله دار الهوان» (4)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «لا يعجبنك رحب الذراعين بالدم، ولا جامع المال من غير حله، فإنه إن تصدق لم يقبل منه، وما بقي كان زاده إلى النار»(5)، وقال صلى الله عليه وآله وسلم : «يأتي على الناس زمان لا يبالي الإنسان ما أخذ أمن الحلال أم الحرام، فإذ ذاك لا يجاب لهم دعوة» (6)، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم في حديث: «لا يكسب عبد مالا حراما فيتصدق به فيقبل منه، ولا ينفق منه فيبارك له فيه، ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار» ، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم : «من اكتسب مالا من مأثم فوصل به رحمه أو تصدق به أو أنفقه في سبيل الله جمع ذلك كله فقذف به في جهنم» (7)، وفي هذا النوع من الأخبار كثرة وسعة، لكن اقتصرنا على ما ذكرنا لحصول الكفاية به، وخشية التطويل، وذلك السبب أيضا في حذف رواة هذه الأخبار المذكورة وعزوها إلى الكتب المشهورة، ومن الأحاديث الشهيرة المتداولة في الورع قوله صلى الله عليه وآله وسلم : «لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا، وصمتم حتى تكونوا كالأوتار، وتوفيتم بين الركن والمقام ما نفعكم ذلك إلا بالورع»، وناهيك بهذا الحديث وما قبله دالا على فضيلة الورع، وأنه لا خلاق لمن لا يتصف به، ولا اعتبار بمن عرف بغيره وأنفق فيه عمره، وقد أورد بعض الإخوان الأعيان على المشار إليه(1) سؤالا فيما ينقد عليه وينسب إليه، فما أجاب ببنت شفة، ولا أنبأ عن موصوف ولا صفة.
مخ ۳۹۴