دموع البلياتشو
دموع البلياتشو: مجموعة قصصية تنشر لأول مرة
ژانرونه
قلت وأنا أزنها في كفي: ومع ذلك فهي أخف من جناح عصفور!
قال وهو يمر بيده على عينيه: أو من دموع طفل.
وانطلق وراء معلمه ليساعده على الركوب على ظهر الدابة، وتبعته لأودعهما وأتمنى لهما رحلة طيبة إلى الغرب البعيد، لم أغادر مكاني الذي وقفت فيه رافعا ذراعي ومحييا حتى اختفى طرف ظلهما الباهت المرتعش مع انبلاج الفجر الزاحف، كطفل سماوي يحبو على مهل وهو يطوي سجادة الليل مع كل خطوة. •••
دخلت إلى الكوخ الذي بقيت فيه رائحة الضيفين وأنفاسهما وأصداء كلماتهما كأنها أرواح طيبة تجتر ذكرياتها، وبدأت أيضا في اجترار ذكرياتي القريبة والبعيدة التي انهالت علي كأسراب طيور جائعة أو سيول أمطار عاصفة فاجأت كوخي الصغير الآمن فطردت النوم من جفوني، ومسحت على وجهي وعيني وأنا أفكر فيما قاله الصبي، وأخذت أقلب صفحات الذكريات وأغوص في دموع الطفل العجوز كأني أغوص في بئر عميقة الغور.
قلت لنفسي عندما رأيتهما ينحدران على الدرب الحجري المترب: لا شك أنهما عجوز وابنه الذي رزق به على كبر، ضاق بهما العيش كما ضاق بالكثيرين الهاربين من الاضطراب العظيم في إحدى الولايات البعيدة أو القريبة من مملكة الوسط، وعندما اقتربا حتى وقفا أمام الحاجز تطلعت في العجوز الجالس فوق الثور كأنه صنم منسي، فتح الصبي فمه وقال متعثرا: إنه المعلم العجوز لاو-تزو، وأنا تلميذه، قلت وأنا أتطلع في وجه العجوز وأحاول في نفس الوقت أن أفتش عن شيء يستحق دفع الضريبة: وماذا كان يعلم؟ ودرت حول الثور والشيخ الصامت فوقه وأنا مشغول عن رد الصبي: إن الماء يفتت الصخر واللين الضعيف يهزم الصلب القوي، قلت وقد تاهت يدي في الجراب الجلدي العتيق فلم تجد فيه غير أرغفة الخبز الجافة وعلبة من الصفيح تفوح منها رائحة الجبن وكتاب وغليون طويل: لا ذهب ولا مال ولا تحف ولا حرير! أهذه هي كنوز معلمك؟ ابتسم الصبي كأنه يعتذر، وأشار إلى رأسه فلم أفهم ما يقصده بإشارته، وعدت أتطلع إلى وجه العجوز وأحك شعر رأسي من الحيرة: ترى ماذا يدور في رأسه؟ ولماذا يذهب إلى المنفى بعد أن شاخت شجرة العمر وكادت أن تسقط مع أول هبة ريح؟ ورفعت صوتي قائلا: اذهبا، يبدو أن حظ الصندوق الأسود معكما قليل، وافتحا عيونكما جيدا في الليل حتى لا تفترسكما الذئاب ويضر بكما قطاع الطرق إذا خاب أملهم فيكما. •••
ساق الصبي الثور في هدوء وسحب المقود ناحية الطريق الصاعد نحو الممر الجبلي، ولف العجوز عباءته السوداء على جسده الطويل النحيل ليتقي ريح المساء الباردة التي بدأت تلسعه كما أخذت تلفح جمرات أفكاري الحائرة فتزيدها اشتعالا، وما هي إلا خطوات قطعاها على الطريق، وقبل أن يتوارى ظلهما الزاحف وراءهما حتى أسرعت أجري خلفهما، كانت الجمرات قد توهجت في عقلي، فرحت أنادي بأعلى صوتي: أيها الغلام! أيها العجوز! توقفا! وعندما وجدت نفسي أمامهما قلت لاهث الأنفاس: ما هي حكاية الماء؟ قل لي أيها العجوز ما هي حكايته؟ أريد أن أعرف كيف ينتصر الضعيف على القوي!
تفرس العجوز في وجهي كأنما أفاق من غفوته، همس في صوت خفيض نقله إلي الغلام بكلمات واضحة: أنت أيضا تريد أن تعرف؟
لم أدر سر هذا السؤال، ربما أثارني أن يكون قد استهان بموظف صغير ومجهول مثلي أو ازدرى رثاثة هيئتي وسترتي، فقلت في غضب لم أستطع كتمانه: إنني كما ترى إنسان فقير ووحيد على الحدود القصوى للصين، لكنني أريد أن أعرف، أرجوك تكلم! تدخل الغلام مداعبا: سمعت المعلم وهو يردد على الدوام: من يعرف لا يتكلم، والذي يتكلم لا يعرف.
قاطعه العجوز بصوت رفيع حاد: ولكن من يسأل من حقه أن يسمع الجواب، أجل يا ولدي، هذا هو فعل الطريق.
قلت مندهشا: الطريق؟ إن كنت تعرف الجواب فتكلم، أمله علي أو على هذا الصبي. عندي الورق والمداد، وأستطيع أن أقدم وجبة العشاء، نزل المعلم من على الثور بصعوبة وأسرع الصبي لمساعدته، وعندما رآه يتقدم في صمت نحو الكوخ قال الصبي وهو يسحب الثور: ويمكننا أن نتقي برد الليل وخيبة أمل اللصوص وقطاع الطريق. •••
ناپیژندل شوی مخ