102

دموع البلياتشو

دموع البلياتشو: مجموعة قصصية تنشر لأول مرة

ژانرونه

كانت كلمات وكلمات، قلتها ولم أدونها في كتاب ولم أصرخ بها من النوافذ والأسطح وقمم الجبال، تسليت باللعب بها ولم أضح في سبيلها ولا فديتها بالدماء. أطلقت سهامها فرجعت إلى قلبي مسمومة بالسخرية والاستهزاء.

آه! الناس جميعهم فرحون وأنا وحدي غير الآخرين.

لكن من قال إن الناس الذين تركتهم ورائي فرحون؟ من قال إن شيئا قد تغير في المملكة أو أنهم سيتغيرون؟ وما جدوى الكلمات يا من تمجد الصمت وتحذر من الكلام؟ •••

بالأمس جاء الإمبراطور لزيارتي كما اعتاد أن يفعل كلما أراد أن يستشيرني في رأي أو يسألني في معضلة أو يتحدث معي عن أحوال الرعية وشئون المملكة، لاحظت الهم البادي على قسمات وجهه وجبينه والحزن المخيم على عينيه، جلس صامتا أمامي وأطال النظر في وجهي، حاولت أن أبحث بين أكوام الكتب والأوراق عن كتاب أقرأ عليه منه وأسمعه حكايات القدماء التي يتلهف على سماعها ويعد بأن يضعها في قلبه وعلى رأسه وعينيه، لكنه أشار بيده أن أتوقف ثم أطرق برأسه وغرق في أفكاره، وبينما أسائل نفسي عما يضنيه وما يمكن أن يسر قلبه إذا به يبادرني بالسؤال: قلت لي مرة: إن وضعت يدك على الطريق صارت مملكة الأرض طوع يديك وتبعت ظلك، وإن تمسكت به حررتها من الشر والألم فعاشت ممتعة بالوحدة والسعادة والسلام، قلت مؤمنا على كلامه: وعرفت أنت طعم الرضا والقناعة والسكينة ... قاطعني: ألم تقل إن عدم الفعل هو الطريق؟ قلت محاولا الابتسام: ليس هكذا تماما يا مولاي، كنت أتكلم بلسان الحاكم الحكيم الذي يخاطب نفسه أو يوصي من يتولى الحكم بعده: تعلم يا ولدي فضل عدم الفعل: علم بغير أن تتكلم، أنتج بغير أن تمتلك، دبر ولا تسد، اعمل ولا تعول على عملك.

قال الإمبراطور الذي لم يستطع أن يخفي ضيقه: وكيف أعمل ولا أعول على عملي؟ كيف؟!

قلت في هدوء: معناه أن تتم عملك ثم تتوارى، لا تمجده ولا تزه به، لا تسع إلى الشرف ولا تخش العار، الحاكم الحكيم يعمل من أجل الباطن لا من أجل العين.

نهض من مجلسه وتمشى قليلا بين أكوام الكتب وتلال الأوراق الطويلة الملتفة التي تملأ صفحاتها عقد الحبال السوداء، وزفر ضاحكا:

أجبني ببساطة، كيف أحكم المملكة؟ كيف أحكم شعبي؟

قلت مرة أخرى بهدوء: تحكمه ولا تتحكم فيه، تحكمه دون أن تلجأ للقوة، وحين لا يخاف الشعب قوتك، تكون قد بلغت أقصى قوتك. توقف في مكانه وقلب أصابعه بين الأوراق ثم التفت إلي ذاهلا: بلغت أقصى قوتي؟! قلت متحمسا: نعم نعم، تكون قد بلغت الوداعة وأصبحت كالطفل الحديث الولادة، أخرت نفسك فصرت في المقدمة، تواضعت فارتفعت، أخفيت نفسك فتجليت، لأنك لم تعط الحق لنفسك اعترف الشعب بك، ولأنك لم تمجدها مجدك؛ لأنك لم تدع وثق بك، ولأنك لم تسع لشيء لم يسع أحد ضدك بشيء، لم تناد على أحد ومع ذلك لبى الجميع من تلقاء أنفسهم، لم ترزح فوق صدورهم فسكنت في القمة.

قال وقد بدأ صوته يتهدج بالغضب: القمة؟! إنك تقول هذا لأنك تدفن نفسك في حكمتك وأوراقك ونصائح أجدادك. جرب أن تنزل إليهم لتعرف غضبهم وسخطهم وثورتهم.

ناپیژندل شوی مخ