101

دموع البلياتشو

دموع البلياتشو: مجموعة قصصية تنشر لأول مرة

ژانرونه

من يسأل يستحق أن يعرف الجواب، ومن يعرف ...

قلت ضاحكا: لا يتكلم ولا يفعل، وإنما يكتب، وضحك المعلم أيضا ومر بكفه على خدي فقلت وأنا ألاحظ أمارات السعادة والرضا ترتسم على وجه العامل الفقير: وسوف يبرد الجو بعد قليل.

قال المعلم وهو يخطو إلى جوار الرجل ويمسك كم سترته بين الحين والحين: حسن، فلنهبط هنا إلى حين.

وتبعت معلمي إلى الكوخ، أنا تلميذه الذي دون «التاو-تي-كنج» بعد أن كان حبيسا في صدره، وربما كنت تلميذه الوحيد.

2

الصمت

وقال المعلم العجوز الذي صحبه الغلام إلى منفاه البعيد:

ها أنا ذا غادرت البوابة الأخيرة لمدينتي المعذبة وتوجهت مع تلميذي الصغير وثوري الأسود السمين إلى منفاي البعيد، لفني الصمت الذي احتواني كفنه الرحيم منذ أن وعيت العالم وتجلى لي سر الطريق، والقصر الذي قضيت فيه معظم أيام كهولتي وشيخوختي تراءى لي كذلك ملفوفا في كفن الصمت الضبابي، تلفتت عيني إليه فوجدته صامتا مثلي، وتلفت قلبي نحو المكتبة التي شهدت سهري وعملي وتعبي فخيل إلي أنني أسمع كلمات الحكماء القدماء تنطلق من قبور الأوراق القديمة وتفك قيود الحبال الصينية المعقودة بالحروف والمقاطع والعلامات ثم تلوذ هي الأخرى بالصمت وترقد على فراش السكينة الأبدية، آه! كم جمعت ورتبت ونفست وحققت وتركت عبارات الأجداد تنتصب أمامي كالفرسان البلغاء مدوية بحكمتها الغاضبة التي تحذر وتنذر وتشير سهامها إلى الطريق، ومع ذلك تنهي عن الثرثرة والكلام وتعلن أن العارف لا يتكلم والمتكلم لا يعرف، كم خرجت أمامي من نبع الصمت الغائر ثم رجعت إليه وتجمعت فيه، هل أسمع من هناك أيضا بعض كلماتي التي قلتها لتلاميذي الذين عهد إلي القصر برعايتهم، ولأولئك الذين تحدثت معهم من رجال البلاط ووزرائه وحراسه وحجابه وخدمه؟ وهل كان في وسعي أن أمنع طيران هذه الفراشات التعسة إلى الفقراء والبسطاء المساكين أو همساتها في آذانهم: عانق الواحد، ولن تحيد عن الطريق، افعل عدم الفعل ولن يبقى شيء لم يعمل، أخر نفسك وسوف تصبح في المقدمة، تجرد من حب النفس تصل إلى الكمال، ارجع للبساطة القديمة تتحرر من الشهوة، وإذا تحررت من الشهوة وجدت السكينة، وإذا وجدت السكينة عرفت الأبدية، وإذا عرفت الأبدية أصبحت حرا، وإذا أصبحت حرا أحطت بكل شيء، وإذا أحطت بكل شيء صرت سماويا، وإذا صرت سماويا اتحدت بالطريق، وإذا اتحدت بالطريق أصبحت أنت الطريق.

كلمات، كلمات، كلمات لم يخطر على بالي أن أدونها في كتاب، ومع ذلك سمعها الجميع ورددها الجميع وأساء فهمها الجميع. كنت ألاحظهم أثناء جولتي اليومية على ضفة النهر في طريقي إلى الأيكة أو في عودتي منها، تقترب الأفواه من الآذان، وتشير إلي الأصابع الحذرة، وأسمع حتى الصغار الذين يلمحونني فيقفون خائفين وهم يتهامسون: هذا هو التنين! حلق إلى السماء وهبط في أعماق الجحيم حتى وجد كتاب الطريق، ونسجوا الأسطورة حولي وحول الكتاب الذي لم أفكر في تدوينه، وانتشرت أسطورة المعلم العجوز الذي يعلم تلاميذه بغير كلام، ويهزم الأعداء بغير سلاح، ويستقر في السكينة والوداعة كطفل رضيع، ويتحد بالطريق فيجد الحقيقة والفضيلة والكمال بينما المملكة غارقة في النزاع والصراع والدماء، والحكام يدقون الطبول للحروب ويزهون بالأمجاد في خيلاء بينما الفقراء يساقون للمذابح ويشوون على نيران الضرائب والمجاعة والحرمان، وأكتم ألمي وسخطي على الناس والأوضاع والكلمات وألوذ بصمتي كما فعلت على الدوام. •••

سر يا غلامي الطيب سر، يا من بقيت لي بعد أن تخلى الجميع، وأنت يا ثوري الأسود السمين، تمتع بالعشب والماء وتأهب للجوع والعطش في القفار، وعندما تصعد وتهبط الممرات الوعرة في الجبال، أتريدان أن أسليكما بالكلمات؟ اسمعا إذن أغنية الصمت التي عزفتها على أوتار قلبي الوحيد: آه ما أبعد الفجر! الناس جميعهم فرحون، كأنهم يشاركون في وليمة التضحية، كأنهم ذاهبون إلى مهرجان الربيع، أنا وحدي أرقد في سكون، أشبه بطفل صغير لم يبتسم مرة واحدة في حياته، أترنح وأتمايل، كأنني أضعت وطني، الناس جميعا عندهم ما يكفيهم، أنا وحدي تعريت من كل شيء وفقدت كل شيء، حقا! إن قلبي لقلب غبي معتم مضطرب، الناس جميعهم لامعون، أنا وحدي مظلم، والناس جميعهم جادون واثقون من أنفسهم، وأنا وحدي متعب حزين القلب، ثائر ثورة البحر، مضيع كأني بغير هدف، والناس جميعهم يعملون ويسعون لهدف نافع، أنا وحدي عنيد كأني من نسل الوحوش، أدعوهم أن يعملوا بغير عمل وسوف يعمل كل شيء، وإذا أتموا عملهم فليتواروا عن الأنظار ولا يدقوا له الطبول. أوصيهم أن يعلموا بغير كلام ويكونوا فاضلين بلا كلام عن الفضائل والقواعد والأخلاق، أن يتمسكوا بطريق الآباء والأجداد ويرجعوا للأصل والجذور، أن يتحدوا بالطبيعة الأم ويرضعوا من ثديها السكينة والسلام بدلا من أن يغتروا بالتمدن وينخدعوا بالأدوات والمخترعات، آه! وكم دعوتهم لأن يغيروا أنفسهم فيتغير كل شيء.

ناپیژندل شوی مخ