100

دموع البلياتشو

دموع البلياتشو: مجموعة قصصية تنشر لأول مرة

ژانرونه

قلت في بطء: أن لا شيء على الأرض ألين ولا أضعف من الماء، ومع ذلك لا يفوقه شيء في التغلب على الصلب والقوي.

حدق في وجه العجوز كأنه يعاين فعل الماء في الصخور، وسرح لحظة مع أفكاره ثم التفت إلي قائلا: ماذا كان يعلم أيضا؟

قلت متعجلا الخروج من الموقف بعد أن حانت مني نظرة إلى السماء ورأيت السحب السوداء تتجمع على صفحتها المظلمة كقطعان متدافعة إلى مورد ماء: أن الوداعة تغلب القوة، وأن اللين يهزم الصلب الخشن. قلب بصره فينا وأطرق برأسه طويلا، ويبدو أنني رفعت رأسي إلى السماء ففهم أنها تنذر بالمطر أو العاصفة، وربما فهم أيضا أننا نتعجل السير قبل أن يحل الظلام، فقال وكأنه يكلم نفسه: الوداعة تغلب القوة، الماء يهدم الصخر، نعم، نعم، ما دام الجمرك لن يحصل عن شيء فانطلقا. •••

استأنفنا السير بعد فتح الحاجز، ووجدنا أنفسنا نستقبل واديا رحبا تملؤه الأشجار وتحده الجبال الشاهقة من بعيد، وما هي إلا خطوات بعد أن استرحنا قليلا تحت ظل شجرة سوداء كثيفة الأغصان والأوراق حتى سمعنا صوتا ينادينا ويكرر النداء: أيها المعلم! أيها الغلام!

التفتنا وراءنا فوجدنا حارس الحدود يجري لاهث الأنفاس نحونا. أمسك المعلم باللجام وتوقفنا لنعرف ما يريد، أصبح الصوت مسموعا واقترب الوجه الشاحب النحيل: ها! قفا! قفا! أرجوكما قفا! ماذا تقصد بحكاية الماء أيها العجوز؟!

سأل المعلم وهو يطل عليه من فوق ظهر الثور: وهل يهمك هذا يا ولدي؟

قال الرجل الذي بانت ملامح وجهه الأغبر المتعب كوجه ذئب تائه وسط رمال الصحراء: ما أنا إلا عامل جمرك بسيط، لكن يهمني أن أعرف كيف ينتصر الماء على الصخر، إن كنت تدري الجواب فتكلم.

تفرس المعلم في وجهه طويلا، غابت نظراته لحظة في عينيه الغائرتين وسترته الباهتة المرقعة وأصابع قدميه التي تطل كالديدان الرفيعة من حذائه الرمادي المتهرئ قبل أن ينتبه على صوت الرجل الذي يستعطفه: اكتبه لي، أمله علي أو على هذا الغلام، مثل هذا العلم لا يستأثر به الإنسان.

ثم بعد فترة قصيرة لمس فيها سترته ونظر طويلا إلى حذائه البالي: ولا يضن به على أحد الفقراء.

انفرجت أسارير المعلم كأنما فكت أغلال تجاعيد الصمت والتحفظ التي تطوق وجهه، وبدا كأن شبح ابتسامة على الوجه الحجري، فتشجع الرجل قائلا: الورق عندنا والريش والأقلام والمداد، وعندنا كذلك طعام قليل للعشاء، إنني أسكن هناك، في هذا الكوخ الذي يتسع لك وللغلام ولحكاية الماء. تنهد العجوز وهو ينزل من على ظهر الثور الذي بدأ يهز ذيله في قلق وينفض نفسه من هبات البرد التي جعلت جلده يرتعش، وقال وهو يرمق الرجل طويلا ثم يسحبني من يدي التي تمسك بالمقود: آه! أنت أيضا تريد أن تعرف! نعم يا ولدي.

ناپیژندل شوی مخ