أنا والكتابة
كنت في السنة الرابعة الثانوية بمدرسة فاروق الأول، وكان الأستاذ ضاحي هو مدرس اللغة العربية، وقد طلب إلينا أن نكتب موضوع إنشاء أذكر عنوانه الآن، وكتبت الموضوع، واستعملت فيه فعل تساءل على وزن تفاعل، فإذا الأستاذ ضاحي يضع خطا أحمر تحت الفعل، ويقول: «تساءل على وزن تفاعل، وتفاعل أي تبادل الشيء بينه وبين إنسان آخر، فالفعل خطأ.
وذهبت إلى البيت وكشفت في القاموس فوجدت الأستاذ مخطئا خطأ فادحا، فكتبت كلمة عن خطأ الأستاذ.»
وكنت في ذلك الحين أنعم بصداقة من نوع عجيب هي مزيج بين الأستذة والصداقة في وقت معا؛ فقد كان الأستاذ العوضي الوكيل الشاعر العظيم من الذين يحبهم أبي حبا جما، وكان يزورنا يوميا، وطلب إليه أبي أن يستقدم لنا مدرس لغة إنجليزية لي ولأخوتي، فصحب إلى بيتنا الأستاذ عثمان نويه الذي قامت بيني وبينه هذه الصلة؛ فقد كان أديبا من الطبقة الأولى في اللغة العربية والإنجليزية على السواء، ومنذ اللقاء الأول شعر كل منا أنه قريب إلى الآخر قربا لا يكون إلا بصداقة سنوات طوال، وكان والد الأستاذ عثمان نويه قاضيا شرعيا زميلا للأديب العملاق أستاذ الأجيال، وعميد كلية الآداب في ذلك الحين أحمد بك أمين، وكان أستاذنا أحمد بك أمين يرعى شئون عثمان نويه وإخوته بعد وفاة والدهم، فكان منه بمثابة الابن.
أطلعت عثمان على ما كتبت، وسألته إن كان يمكن أن ينشر لي هذه الكلمة بمجلة الثقافة، وكان عمري إذ ذاك ستة عشر عاما فشجعني.
وذهب بالكلمة إلى أحمد بك أمين، وعرضها عليه، وحين قرأها الأستاذ العميد قال لعثمان: «أهي لمدرس زميلك.» وتردد عثمان قليلا، وقال: «إنما هي لمحام صديق.»
وفجئت بالكلمة تنشر، وكنت قد مهرتها بتوقيع تلميذ قديم، واتخذت لها عنوانا تصحيح أوراق.
ولم تسلم الكلمة من بعض الحذف، ولكنها على أي حال نشرت، وأنا اليوم أكتب هذا الكلام، ولي بين يدي القراء أكثر من خمسة وثلاثين كتابا، ولكنني لم افرح بظهور كتاب لي ولا حتى كتابي الأول ابن عمار قدر فرحي بنشر هذه الكلمة الصغيرة القليلة في باب البريد، وبتوقيع لا يحمل اسمي. وربما أدرك القراء من الشباب أنني محق في هذا الفرح إذا هم علموا معنى أن ينشر كاتب في مجلة الثقافة التي يرأس تحريرها أحمد بك أمين جميعا، وتشرف عليها لجنة التأليف والترجمة والنشر بمن فيها من أسماء يعتبر كل اسم منها أمة في ذاته.
وقد سعد أبي أن نشرت في الثقافة، ولم يكن صديقا لأحمد بك أمين، وإنما كان يعرفه معرفة قارئ لكاتب.
أحدث نشر الكلمة انفجارا في المدرسة، فقد عرف زملائي جميعا أنني كاتبها، فالحوار الذي قرءوه فيها كان بمشهد منهم. كان التلاميذ في ذلك الحين يقرءون المجلات الأدبية.
ناپیژندل شوی مخ