واستدعاني ناظر المدرسة الرجل العظيم نجيب بك هاشم أطال الله عمره، وطلب إلي في عذوبة ورقة ألا أكتب شيئا بعد ذلك عن أساتذتي، ووعدت بذلك، والفرحة تخفق خفق أجنحة النسر بين ضلوعي.
ذهب عثمان نويه إلى أحمد بك، وأخبره أن صاحب الكلمة تلميذ بالسنة الرابعة الثانوية التي كانت تسمى الثقافة، والعجيب أن أحمد بك فرح بدلا من أن يغضب، وطلب أن يراني.
وتولاني الرهب وأنا في طريقي إلى الأستاذ العميد، ولكن كم كان أنيسا وأبا وإنسانا، أبدى رضاءه عني، وكان مني بعد ذلك بمكان الأستاذ الحاني أو الأب الشفوق.
وطلب إلي أن أكتب، فكتبت مقالة عن الشاعرين أحمد القرعيش وتوفيق عوضي أباظة بعنوان «شعراء مجهولون»، واخترت أبيات الأستاذ توفيق التي شكا بها عزيز باشا إلى جمال بك.
ولم تنشر الكلمة، وانتظرت طويلا، والعجيب أن أبي رحمه الله كان ينتظر معي، ولم تنشر الكلمة.
وأقبل الصيف وانتقلنا إلى رأس البر، وكنت أذهب كل أسبوع إلى مرسى العبارة القادمة من دمياط إلى رأس البر، وأشتري مجلة الثقافة ولا أجد الكلمة، وتولاني حزن شديد، وفي يوم نزلت إلى البحر، فإذا بي أرى عن بعد رجلا يلف وسطه بقرعتين ويضرب الماء بيديه في كبرياء وجلال. اقتربت منه فإذا هو أحمد بك أمين، كم فرحت! وسألته عن الكلمة فقال: «لقد طلبت إليهم أن يؤجلوا نشرها حتى نستأذن عزيز باشا.»
قلت: «وفيم الانتظار، أكتب أبياتا أخرى للشاعر نفسه.»
قال: «يكون أحسن.»
وطرت من الفرح، وذهبت إلى البيت ورويت لأبي ما كان، وكتبت المقالة نفسها؛ فقد كنت أحتفظ بصورة منها، واخترت لتوفيق أبياتا أخرى.
وفي الأسبوع التالي نشرت المقالة كما كتبتها تماما، كم كان أسبوعا رائعا في حياتي؛ فقد ظهرت فيه نفسه نتيجة الثقافة، وجاءتنا برقية من أستاذي وقريبي الأستاذ عبد الله عوضي أباظة المدرس بوزارة المعارف يهنئني بنجاحي وحصولي على شهادة الثقافة.
ناپیژندل شوی مخ