وعن أبي حنيفة في جاهل بال في الماء الجاري، ورجل أسفل منه يتوضأ به، قال: لا بأس به. وهذا لأن الماء الجاري مما لا يخلص بعضه إلى بعض. فالماء الذي يتوضأ به يحتمل أنه نجس، ويحتمل أنه طاهر. والماء طاهر في الأصل، فلا يحكم بنجاسته بالشك.
وإن كانت النجاسة مرئية، كالجيفة ونحوها، فإن كان جميع الماء يجري على الجيفة لا يجوز التوضؤ من أسفل الجيفة، لأنه نجس بيقين، والنجس لا يطهر بالجريان.
وإن كان أكثره يجري على الجيفة فكذلك، لأن العبرة للغالب.
وإن كان أقله يجري على الجيفة، والأكثر يجري على الطاهر، يجوز التوضؤ به من أسفل الجيفة، لأن المغلوب ملحق بالعدم في أحكام الشرع.
وإن كان يجري عليها النصف أو دون النصف، فالقياس أن يجوز التوضؤ
به، لأن الماء كان طاهرا بيقين، فلا يحكم بكونه نجسا بالشك. وفي الاستحسان: لا يجوز احتياطا. انتهى كلام صاحب البدائع.
[تعقيبات ابن قطلوبغا على صاحب البدائع]
وقد تعقبه الشيخ قاسم بأمور، فقال: قوله: ((وقال أصحاب الظواهر إن الماء لا ينجس لوقوع النجاسة فيه))، يتبادر منه أنه يجوز استعماله عندهم، حيث لم يحكموا بتنجيسه، وليس كذلك، بل قالوا: لا تنجس الجواهر المائية في نفسها، ولكن لا تستعمل، لاتصال النجاسة بها وعدم إمكان تمييزها من النجاسة.
مخ ۳۷