وبلغ إلى البلاد الحميرية وما يواليها من البلاد أن الإمام قد أوقع بعسكر الغز ومن معهم في قارن، فتبادر الناس في أقرب وقت، فلم يمض من النهار إلا قليلا حتى اجتمع من الخلق ما لا يضبطه العدد. واستمر القتال على الدار، وأضرمت عليهم النار، ونقبت عليهم الدار نقوبا، فكان الواحد منهم يرمي بنفسه طامعا في النجاة نحو عسكر الإمام فيختطف الأول سلاحه، والثاني ثيابه والذي بعده يقتله. ثم إن الأمير فخر الدين عبدالله بن يحيى بن حمزة طلب الخروج على حكم الإمام -عليه السلام-، فأجابه الإمام إلى ذلك وأمر بإخراجه، فأقام في مركز الإمام وهو ينظر إلى عسكره ومن معه يقتلون ويؤسرون، لا يطمع لأحد منهم بنجاة، فلم يرفع السيف حتى مضى وقت العصر، وعند ذلك أمر الإمام -عليه السلام- برفع السيف حتى تنقضي الصلاة وينظر في الأمر، والقوم في أشد ما يكون من الاستكانة، يستجيرون ويعدون من أنفسهم بالتوبة، فلم ير الإمام -عليه السلام- إلا رفع السيف عنهم والخروج على حكمه إلا جماعة استثناهم فاستأسر القوم بأجمعهم.
وكان عدة القتلى ثلاثمائة ونيفا وثمانين قتيلا من دون من حمل بنفسه جريحا فمات في الشعاب، فأما الأسارى فخلق كثير منهم من من عليه، ومنهم من اشترى نفسه. وأمر الإمام -عليه السلام- بالأمير عبدالله بن يحيى أسيرا إلى حصن عزان، وغنم الناس غنائم واسعة لا يمكن حصرها، وسار ذكر هذه الوقعة في الآفاق، وعظم[385] بها شأن الإمام -عليه السلام-، وعز الإسلام وارتفعت رؤوس القبائل ممن كان مقهورا(1).
مخ ۲۵۸