توقف لا بد منه:
ربما يخفى على البعض من القراء الكرام أن الباحث والمحقق قد تستوقفه في أحيان ما بعض المحطات والمفارقات الممجوجة والمثيرة للاستهجان والاستغراب، والتي يقف أمامها حائرا متعجبا يحاول جاهدا أن يجد لها تبريرا تستكين إليه نفسه وتستقر من خلاله.
نعم، ولعل من تلك المفارقات الغريبة التي استوقفتني كثيرا في تحقيقي لهذا المبحث إلهام ما كان متعلقا منه بترجمتي لحياة هذا العلم - المتسامي في سماء الطائفة - الإغفال الغريب لتأريخ ولادته ونشأته، بل والتضارب البين في تحديد مصدر نسبته التي طبق صيتها الآفاق، وأصبحت سمة لا يعرف عند الكثيرين إلا بها.
ولا أريد هنا أن أجد تبريرا لعلة هذا الإخفاق والاضطراب، قدر ما أردت الإشارة إلى كونه قصورا بينا لا مناص لنا من التسليم به والإقرار بحقيقته، والعمل على تلافيه وإدراك ما سقط منه.
بلى، بيد أن ما يختص بالقسم الأول من ذلك القصور - أي ما يتعلق بتأريخ ولادته - فأستطيع الجزم بأنه لا يأتي إلا احتمالا وإجمالا، حيث لم أجد ما بحثت إشارة ولو بعيدة إليها، فلم يبق إلا استقراء الشواهد المختلفة المبثوثة في طيات الكتب وترتيبها وفق التسلسل المنطقي لواقع الحال وصولا إلى أقرب النتائج الموافقة للحقيقة.
فعند استقرائي لبعض مؤلفات الشيخ الكراجكي - وبالتحديد في كتابه الذائع الصيت والموسوم بكنز الفوائد - وجدته مزدانا بإشارات متكررة لتواريخ خاصة بروايته عن بعض شيوخه أو غيرهم، وأماكن تلك الروايات، ولما كان بحثنا يتعلق بالشطر الأول منها، فقد عمدت إلى استقصاء موارد الروايات هذه
مخ ۱۹