محتاجين إليه ، من تثقيل قرارهم بما ثقله الله من رواسي الجبال ، وغيرها مما ثقلها به سبحانه مما عليها من الأثقال ، لكيما تكون كما قال الله : قرارا ، ولما جعله الله خلالها أنهارا ، ولو لم تكن سكنا قارا ، لما احتملت من أنهارها نهرا ، ولو مادت لاضطربت غير مستقرة ولا هادية ، ولو لم تستقر وتهدأ لكانت أنهارها متفجرة غير جارية ، لا ينفع ما جعل الله حاجزا وبرزخا ، وحبسا ثابتا مرسخا ، بين (1) منسبح عذب مياهها وملحه ، ومفسد أمورها ومصلحه ، فاختلط فراتها بأجاجها ، وبطل ما جعل فيها من سبل منهاجها ، حتى لا يكون لفلك فيها سبيل مسير ، ولا لطامي جم مياهها صوت خرير ، ولو كان ذلك ، فيها كذلك ، لكان فيها من فساد التدبير ، وجفاء الفعل في حسن التقدير ، ما لا يجهل ولا يخفى ، لكنه تبارك وتعالى ألطف في التدبير لطفا ، وأعلم بالأمور كلها علما ، من أن يدبر إلا محكما. ألم تسمع لقوله سبحانه : ( أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي وجعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون (61)) [النمل : 61].
فإن قال قائل : فما جعل من الأثقال عليها والجبال لا يزيدها إلا ثقلا ، وكل ما ازداد ثقلا هوى وذهب سفلا ، فنحن إذن نهوي سافلين ، وقد نرانا بالعيان عالين ، فهذا من القول تناقض واختلاف ، لا يصح لذي لب به إقرار ولا اعتراف؟!
قلنا : قد قيل فيما تحت الأرض وما يحملها ، ويمسكها بحيث هي ويقلها ، أقوال كثيرة غير واحدة ، قالتها فرق ملحدة وغير مخلدة.
فمنهم من قال تحت الأرض خلاء ، ومنهم من قال تحتها هواء ، ومنهم من قال تحتها لج ماء ، ومنهم من قال ليس تحتها شيء من الأشياء ، وهي غاية الثقل ومنتهاه ، وكل ثقيل فإليها انتهاه ، فليس لجرم من الأجرام ثقلها ، ولا شيء من الأشياء في الثقل مثلها ، فهي أثقل الأثقلين ، وأسفل الأسفلين ، وما كان وهو أخف منها ، فغير شك أنه مرتفع عنها ، أو قار عليها ، أو داخل فيها ، وقرارها بحيث هي زعموا قرار طبيعي ، ومنهم من قال إن قرارها بحيث هي قرار موضعي ، وإنها إنما ثبتت بحيث هي من
مخ ۲۱۴