ظل هذا يحدث منذ سنة 1971 إلى هذا العام، حين قرر فجأة الدكتور صلاح حامد إلغاء هذا النظام، واتباع نظام مأموري الضرائب الذين يذهبون لكل صيدلية ويفتشون على مبيعاتها ويقدرون جزافا بالطبع ، فليس معقولا أن يرابط في كل أجزخانة مأمور ضرائب ليل نهار لحصر ما تبيعه الصيدلية من أدوية، وما ينتج عن هذا البيع من أرباح، يعني أولا هو نظام غير قابل للتنفيذ العملي إلا لو عينا مائة ألف مأمور ضرائب خصيصا للأجزخانات، وثانيا ليس من المعقول أن يظل نظام ساريا لمدة خمسة عشر عاما ثم يعن لوزير المالية أن يصدر قرارا يغير به النظام فجأة فيربك الدنيا كلها، وأول من يربك هم الصيادلة، وإذا بالصيادلة المرتبكين بهذه الكارثة التي تتهددهم بالتقدير الجزافي، يجتمعون ويقررون العمل ثماني ساعات فقط في اليوم، وإغلاق الصيدليات من الساعة السادسة مساء، بينما عيادات الأطباء تبدأ عملها في السادسة مساء، وكل مريض يخرج من عند الطبيب بروشتة يريد صرفها فإذا بالأجزخانات كلها مغلقة، والمفتوح فقط هو الأجزخانات الليلية، وهي الأخرى فارغة تقريبا من كل الأدوية الهامة التي يحتاجها المريض خاصة في الحالات الحادة.
وفي مدينة كالقاهرة مقدارها عشرة ملايين نسمة لا تفتح فيها ليلا إلا أقل من سبع أجزخانات متباعدة تباعد الزهرة عن المشتري.
أبعد هذا ارتباك في التخطيط والتنفيذ؟!
ألا يدل هذا على أن الوزراء مشغولو البال بطريقة لا تتيح لهم التفكير العلمي لحل المشاكل؟!
أنا أفهم أن يعتقد وزير المالية أن التقديرات الحالية للضرائب على الأدوية غير كافية، وأنه لا بد من رفعها، وهذا حقه، ولكن الذي ليس من حقه أبدا هو أن يصدر قرارا من جانبه وحده بهذا النظام، كان لا بد من دراسة الموضوع من جميع نواحيه والاتفاق مع نقابة الصيادلة وإيجاد حل عادل للمشكلة.
أما هذه القرارات غير المدروسة فقد أدت إلى مأساة لم يكن ضحيتها الوزير ولا الصيدلي، ولكن كان ضحيتها آلاف المرضى المساكين الذين يجوبون القاهرة من أقصاها إلى أقصاها بحثا عن دواء ربو ناقص أو دواء مسكن لمغص مروع وأغلبهم من الفقراء الذين لا يملكون ما يستطيعون أن يدخلوا به مستشفى من مستشفيات الانفتاح وقضاء ليلة تكلفه فوق المائة جنيه من أجل الحصول على الدواء، أما مسألة صيدليات المستشفيات العامة الحكومية فقلبي مع الصديق الكبير الدكتور حلمي الحديدي الذي وجد نفسه - وهو المسئول عن صحة الشعب ودوائه - بين مطرقة الدكتور صلاح حامد وسندان إخواننا الصيادلة الذين فاجأتهم مطرقته، ولم يكن أمامهم من خيار إلا بأن يستغيثوا بالرأي العام، ويا لها من استغاثة ضحيتها هم المرضى المساكين!
موضوع الضرائب هذا سواء على الصيادلة أو الأطباء أو المحامين أو غيرهم، ذلك الموضوع الذي يصرخ منه الجميع ما عدا تجار المخدرات الذين يربحون الملايين.
مواضيع خطيرة جدا كهذه تتعلق بصحة المواطنين ومدى الترابط القومي بين فئات الشعب، ومدى رضا الشعب عن حكومته، حكومة تتخذ فيها القرارات هكذا عشوائية، كالقرارات الاقتصادية، مع أنها كلها لا بد أن تدخل في صميم رؤيا الحاضر على ضوء المستقبل، ورؤيا المستقبل على ضوء الحاضر، والتجهيز للحاضر والمستقبل بدراسات سريعة عاجلة تأخذ في الاعتبار كافة الأطراف وتتبين كافة المحاذير.
وإذا كانت القرارات الاقتصادية العشوائية قد أضرت ببعض تجار العملة وبعض ملاك الدولار، فالقرارات الضريبية العشوائية تضر ملايين المواطنين الفقراء الذين يئنون حتى مطلع الصباح.
إني أرجو من السيد وزير الصحة أن يسارع فورا إلى التوسط بين نقابة الصيادلة ووزير المالية لإنهاء هذا الوضع الذي تجأر منه الجماهير، لقد رأيت بعيني أكثر من مائة وخمسين مريضا أمام صيدلية الإسعاف وحدها وبعضهم في حالة من الإعياء لا يمكن أن يتحمل الإنسان أن يرى حيوانا يعاني منها.
ناپیژندل شوی مخ