د واپسي په لور
عود على بدء
ژانرونه
وغلبنى النعاس، وأنا أحدث نفسى بهذا. ونمت ملء جفونى على هذه النية الطيبة السارة بإذن الله.
وكان النوم عميقا هنيئا لا حلم فيه فاستوفيت حظى منه كاملا لا ينقص دقيقه واحدة، ثم استيقظت على نور الصبح، فتعجبت لهذه البلجة من أين جاءت، وأنا قد غلقت الشبابيك والباب قبل أن اوى إلى الفراش؟ وفركت عينى لأستثبت. ولكن الضوء الساطع كان يحوجنى إلى تغميض عينى، والمداناة بين جفونهما. على أنى ما لبثت أن فتحت عينى جدا، فقد رأيت امرأة فى مئزر أبيض، تنحى ستائر عن شباك - كاباب - عريض لا عهد لى به. فغضضت البصر وأدرت وجهى إلى الحائط، وفى ظنى أن هذا حلم يتراءى لى. ومن أين بالله يمكن أن تجىء المرأة ذات المئزر الأبيض؟ ومن أين تدخل والباب موصد ومفتاحه فيه - أو لابد أن يكون فيه فما رفعته منه؟ وأنى لى هذه الستائر الرقاق الموشاة بمثل صور الطير، وليس فى بيتي من الأستار إلا كل غليظ النسج قاتم اللون؟ وما هذا الشباك العريض كالباب؟ بل هو باب، وغرفتى ذات شباكين ولا باب فيها إلا ما أوصدت.
إنه حلم على التحقيق، فلننعم به ما دام. وألفيتنى أدعو الله فى سرى أن يجعل المرأة ذات المئزر خودا منظرانية، فإنه ما دمنا نحلم ولا نرى حقا فلا أقل من أن نحلم بخير.
وسرعان ما استجاب الله دعائى، فليته يفعل ذلك فى اليقظة - يقظتى آنا، كما لا أحتاج أن أقول فإنه - سبحانه - لا ينام - فاستدارت، فإذا هى من البيض الحسان والحواريات المسمورات، حلوة رقراقة ناعمة، ووضيئة قسيمة، مستغنية بجمالها عن كل زينة، فتبسمت لها، وقد رف لها قلبى، وهى مقبلة على، تهفو كالنسيم، ولا تكاد تمس الأرض، فما كنت أسمع وقع قدميها وهى تمشى إلى، وعلى ثغرها النضيد إبتسامة ما أحلاها وأعذبها! فلماذا يا ترى نحرم مثل هذا فى عالم الحقيقة، ونخايل به فى أحلامنا، وأشفقت - وأنا أرنو إليها مغتبطا بدنوها منى شيئا فشيئا، متطلعا إلا حلاوات سأتذوقها مها، ولذات سأفوز بها من قربها - أقول آشفقت أن يكون مصور الحلم قد جعل لها قدمين على هيئة السمك أو ذنبه، وخفت أن تنقلب الغرفة بحيرة والسرير زورقا، وتذهب تسبح بنت الماء هذه، وتطالعنى من هنا وههنا وتحاورنى، فأحاول أن أدركها، فيضطرب الزورق فى الماء وأغرق فما أحسن السباحة، أو أبتل على الأقل.
وصوبت عينى إلى الأرض فاطمأنت نفسى. فما زلنا فى الغرفة. وإن للفتاة لقدمين دقيقتين جميلتين، وإن ساقيها لممشوقتان.
واتكأت على السرير براحتيها، ومالت، وصار محياها فوق وجهى، وبينهما شبران، أو أقل، فليتها تختصر المسافة أو تختزلها أو تمحوها! وقالت بأعذب صوت صافح أذنى: «صباح الخير يا بابا..» فحيرنى قولها «يا بابا»، أهو تدليل لى أو مفاكهة؟ إن كان هذا فأنا خليق أن أسر، أم هي إشارة إلى ما بيننا من فرق السن؟ إن تكن الأخرى فهى ليست من حسن الذوق على الريق. وخطر لى أنى جدير - على الحالين - أن أسر بأن أصبح على هذا الوجة الحسن، وراقتنى، وأنا أنظر إليها - بل أحدق فيها - نقرتان عند الشدقين حفرهما الابتسام، فافتررت لها كما تفتر وقلت لها أمازحها مثل مزاحها، وإنها لأولى بذلك من الحاجة! «صباح الخير يا ماما ...».
وما كدت أفعل، حتى وجمت، ووضعت يدى على فمى فما كان هذا بصوتى ولا هو يشبهه، وإن صوتى لأجش، جهير، وفيه برجمة، وغلظ، وكثيرا ما عابتنى به امرأتى وزعمته صلبا شديدا، مبالغة منها على عادتها، عندما تمزح. وقد قالت فى صفته مرة إنه «ضوضاء». أما هذا الذى سمعته من نفسى حين حييتها فصوت ناعم دقيق مع ارتفاع، كأصوات الصبيان قبل أن يبلغوا الحلم، أو أصوات البنات، فماذا جرى ؟ هل أصاب حلقى شىء؟
وتحسست رقبتي، وبلعت ريقى لأستوثق، فلم أشعر أن بى شيئا.
ورأت الفتاة سهوم وجهى، وشرود نظراتى، فأراحت كفها على كتفى وسآلتنى: «مالك؟ ألست بخير هذا الصباح»؟
فتنبهت. ووقع فى نفسى ما فى صوتها من الحنو. وأسرعت فقلت: «نعم بخير. شكرا لك».
ناپیژندل شوی مخ