. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الكلام، فهو كقوله تعالى: عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (١). ولو قال: ما لم نكن نعلم، كقوله تعالى: وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ (٢). لكان أوضح فى هذا المراد؛ لإشعار كان غالبا بالانقطاع، وقد نص النحاة على أن (لم) يجوز انفصال نفيها
عن الحال. هذا حظ النحوى والأصولى يجعل ذلك مجازا من مجاز التخصيص، وما ستراه فى آخر باب الفصل والوصل من كلام البيانيين، وابن الحاجب، مما يوهم أن ذلك حقيقة لا تعويل عليه، لما قررنا ثمّ. وقد عجبت من ابن مالك وابنه حين مثلا ذلك بقوله:
وكنت إذ كانت إلهى وحدكا ... لم يك شئ يا إلهى قبلكا (٣)
فإن كون الشئ لم يكن قبله نفى متصل، وقد اعترض عليهما شيخنا أبو حيان، وقد عجبت من ابن مالك، ومن شيخنا أبى حيان فى تمثيلهما لانقطاع نفى (لم) بقوله تعالى: هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (٤) فإن الحال هنا مقيدة بالحين، التقدير: لم يكن فيه شيئا مذكورا، ولم ينقطع ذلك أصلا، كقولك: لم يقم زيد أمس. والتحقيق أن النفى الذى نتكلم فى انقطاعه هو نفى الحدث المحكوم بنفيه، وإذا كان مقيدا بظرف فاتصاله باستغراق النفى الظرف، كقولك: لم يقم زيد أمس. فهذا نفى متصل، ولو قلت: لم يقم زيد أمس، تريد: أنه لم يقم فى بكرته، لكان ذلك مجازا، وأما القيام فيما بعد أمس فلا تعرض فى اللفظ إليه بنفى ولا إثبات، بخلاف النفى الذى لا يتقيد بظرف، فإنه يستغرق الأوقات التى لا غاية لها إلا زمن النطق.
والعجب من شيخنا أكثر، فإنه اعترض على ابن مالك فى المثال الأول فيما يعترض به عليه هنا فى المعنى. فإن قلت: هلا استدللت على عدم اتصال النفى بقوله (علم)؛ لأن أحدهما أثبت ما نفاه الآخر؟ قلت: لأن (علم) قد ينازع فى اقتضائه لحصول العلم؛ فإن العلماء اختلفوا فى أن (علم) هل يستدعى مطاوعة أو لا؟ ويشهد
_________
(١) سورة العلق: ٥.
(٢) سورة النساء: ١١٣.
(٣) الرجز لعبد الله بن عبد الأعلى القرشى فى الدرر ٥/ ٢٣، وشرح أبيات سيبويه ٢/ ٢٩، والكتاب ٢/ ٢١٠، وبلا نسبة فى أوضح المسالك ٣/ ١١٢.
(٤) سورة الإنسان: ١.
1 / 42