وعلّم من البيان ما لم نعلم، ...
ــ
ص: (وعلم) من البيان ما لم نعلم.
(ش):" علم" معطوف على" أنعم" لا على" الحمد لله"، فرارا من عطف الجملة الفعلية على الجملة الاسمية؛ ولأن
المعنى عليه أمكن، فحينئذ هذه السجعة جارية على آخر كلمة من السجعة قبلها، وهى أنعم طارحة لما قبلها، وهو غير الأحسن فى صناعة البديع، إذ الأحسن ملاحظة الثانية للأولى حتى يكونا كفرسى رهان. وعطف (علم) على (أنعم) من عطف الأخص على الأعم إن كانت" ما" مصدرية، ومن عطف الخاص على العام، إن كانت موصولة، فإن ما الموصولة عامة، وكلاهما خارج عن الأصل والغالب، لاستدعاء الأول عطف الشئ على نفسه. واستدعاء الثانى عطف بعض الشئ عليه، أو أحد أفراد الكلية عليها المستدعيين أيضا لعطف الشئ على نفسه، غير أن كلا منهما بليغ مستحسن، كما سيأتى إن شاء الله تعالى.
وليتنبه لدقيقة، وهى أن الأصولى يؤول ما يرد من ذلك، حيث قدر على إرادة ما عدا الخاص بالعام، فرارا من التأكيد، حتى ذهب بعضهم إلى التزام ذلك، وجعله من المخصصات. أما هنا: فنحن لا نفر من التأكيد، بل نحافظ عليه؛ لما فيه من البلاغة، ولا سيما فى المقامات الخطابيات، ثم نحافظ على إدخال نعمة تعلم البيان فى قوله:
(ما أنعم)؛ لتحصل براعة الاستهلال بذكر ما يناسب المقصود، كقوله:
بشرى فقد أنجز الإقبال ما وعدا (١)
بل قد يقال: إنها فقط هى المرادة، ويكون من العام المراد به الخصوص؛ لما ذكرناه، ويكون الأول على جهة الطرح، كقولك: أعجبنى علم زيد وفقهه.
والبيان يطلق على معان لا نطيل بذكرها والمراد هنا منها: الفصاحة، أو هذه العلوم التى ستأتى فى هذا المختصر؛ فإن الثلاثة تسمى علم البيان. وقوله: (ما لم نعلم) هو نفى غير متصل بالحال بقرينة أنه إنما قصد الحمد على العلم الموجود حال هذا
_________
(١) صدر البيت من البسيط، وعجزه:
وكوكب المجد فى أفق العلا صعدا
وهو لأبى محمد الخازن فى الإيضاح ص: ٣٧١ والتبيان للطيبى ٢/ ٤٨٤.
أنجز: قضى ووفى. الإقبال: قدوم الدنيا بخيرها. كوكب المجد: استعارة للمولود. الأفق: الناحية من نواحى الفلك وإثباته للعلا تخيل، واسم الخازن عبد الله بن محمد.
1 / 41