. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
للأول قوله تعالى: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ (١). فأخبر عن كل من هداه بأنه مهتد، وأما قوله تعالى: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ (٢). فليس منه؛ لأن الهدى فى تلك الآية بمعنى الدعوة؛ بدليل فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى (٣). وقد يشهد لوجود الفعل دون مطاوعة قوله تعالى: وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفًا (٤). وقوله: وَنُخَوِّفُهُمْ فَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيانًا كَبِيرًا (٥)؛ لأن التخويف حصل، ولم يحصل للكفار خوف نافع يصرفهم إلى الإيمان، فإنه المطاوع للتخويف المراد بالآية
الكريمة. وعلى الأول، تكون الفاء فى قولك:
أخرجته فخرج للتعقيب فى الرتبة، لا فى الزمان ولا يصح أخرجته فما خرج، إلا مجازا.
وعلى الثانى: تكون الفاء للتعقيب فى الزمان، ويكون (أخرجته فما خرج) حقيقة. ورأيت بخط الوالد ما نصه: يقال: علمته فما تعلم، ولا يقال: كسرته فما انكسر؛ والفرق أن العلم فى القلب من الله يتوقف على أمور من المتعلم، ومن المعلم فكان (علمته) موضوعا للجزء الذى من المعلم فقط؛ لعدم إمكان فعل من المخلوق يحصل به العلم، ولا بد بخلاف الكسر، فإن أثره لا واسطة بينه وبين الانكسار. اه.
وقد بسطت القول فى هذه المسألة فى شرح مختصر ابن الحاجب، ومن الغريب أن (لم) استعملت للنفى المنقطع، والمتصل استعمالا واحدا. وقد استنبطت ذلك من قوله تعالى: وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ (٦) فنفى العلم عنهم منقطع، وعن آبائهم متصل، والفائدة حينئذ فى ذكر المفعول، وهو قوله تعالى: ما لَمْ تَعْلَمُوا [وإن كان الإنسان لا يعلّم إلا ما لم يعلم] (٧) التصريح بذكر حالة الجهل التى انتقلوا عنها، فإنه أوضح فى الامتنان خلافا للسهيلى، إذ يرى: أن نحو (ما قام زيد ولا عمرو) من عطف الجمل، ولابن مالك حيث ادعى فى نحو: اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ (٨)، أنه من عطف الجمل، فنظيره أن يكون التقدير هنا: ولم يعلم آباؤكم والذى ذهب إليه سيبويه وغيره أن الفعل الأول هو العامل، وإن لم يصلح:" تعلموا
_________
(١) سورة الكهف: ١٧.
(٢) سورة فصلت: ١٧.
(٣) فصلت: ١٧.
(٤) سورة الإسراء: ٥٩.
(٥) سورة الإسراء: ٦٠.
(٦) سورة الأنعام: ٩١.
(٧) ما بين المعكوفين جملة اعتراضية، وما بعدها خبر المبتدأ (الفائدة ...).
(٨) سورة البقرة: ٣٥.
1 / 43