. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وحيث أشير إلى ذكر النعمة أتى بعلى كقوله ﷺ إذا رأى ما يكره:" الحمد لله على كل حال" (١) إشارة إلى ستر النقمة، واستعلاء الحمد عليها، ولذلك جاء الحمد لله على ما أولانا؛ لأن منه النقمة والنعمة فأريد
التغطية لأجل النقمة، وهو كالحمد لله على كل حال. وقد ذكرنا أن البلاغة تقتضى ذكر المحمود عليه بلفظ" على" فى جانب النقمة، واجتنابها فى جانب النعمة، فليتنبه لهذه الدقيقة. لا يقال ينتقض بقوله تعالى: وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ (٢) فإن المقصود فى ذلك المحل استعلاء التكبير برفع الصوت، والأولى أن يجعل الحمد لله جملة، وعلى ما أنعم يتعلق بمحذوف، التقدير نحمده على ما أنعم إذ لا يصح تعلقه بالحمد المذكور، إذا جعلنا الحمد لله جملة، ولا بحمد مقدر، ويجوز أن يكون خبرا.
وقوله: (ما) هى مصدرية، أى على إنعامه إما على حقيقته، أو بمعنى المنعم به إن جوزنا انحلال الأداة والفعل بمصدر مجازى، وهو أحد قولين وهو أولى من الموصولة، لأمرين:
أحدهما: أن الجملة التى بعدها خالية من العائد فيلزم أن يكون العائد محذوفا، فيحتاج قوله: ما لم يعلم إلى تقدير ما يعمل فيه، أو يكون استغنى عن العائد بقوله: ما لم يعلم، كقولهم: أبو سعيد الذى رويت عن الخدرى، وهو ضعيف، أو ممتنع.
والثانى: ما يلزم عليه من استعمال غير الأكثر من تعدى أنعم إلى المنعم به بنفسه فإن الغالب تعديته بالباء، كقولك أنعم عليه بكذا، وإنما لزم ذلك؛ لأنا نقدر العائد مجرورا لامتناع حذفه حينئذ إلا بتكلف وعلى هذه اللغة التى حكاها ابن سيده قوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ (٣).
وقوله تعالى: اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ (٤). لا كما قاله أبو البقاء وغيره، من أنه توسع فيه بحذف الحرف فحذف العائد بعده منصوبا، ويحتمل أن يعود الضمير على المصدر، كقوله تعالى: لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعالَمِينَ (٥).
_________
(١) " حسن" أخرجه ابن ماجه وابن السنى والحاكم، وانظر الصحيحة (ح ٢٦٥).
(٢) سورة البقرة: ١٨٥.
(٣) سورة الأنفال: ٥٣.
(٤) سورة البقرة: ٤٧.
(٥) سورة المائدة: ١١٥.
1 / 40