ونوبات الاغتمام في المانيا أكثر من الابتهاج، والماني وقت النوبة الاغتمامية يعتقد أنه غير جدير بالحياة، ويرغب في الانتحار لهذا السبب، وهو يخترع القصص لتبرير هذا الاغتمام، وقد يصمت ويسكن أو يحرك ذراعيه ويترنح في ذهاب وإياب، وأحلامه هي أحلام الاغتمام، وقد تلازمه هذه النوبة سنة أو أكثر، وكثيرا ما يشفى وحده، وبوادر شفائه أحلام حسنة تنبئ بالتفاؤل.
ونوبات الابتهاج تتخذ أسلوبا آخر في الحركة والكلام الكثيرين مع المرح العظيم، حتى إن زائر المريض يضحك معه. ولكنه في تفكيره متفكك يبدأ بموضوع وينتقل منه إلى غيره بلا ارتباط، وهو يبدي رغباته وشهواته أحيانا سافرة في قحة الحركة والكلمة، وهو لا يطيق النقد أو المعارضة، وقد يحمله هذا على البطش بمن ينتقده أو يعارضه. والماني يزعم في العادة أنه ملك أو مخترع القنبلة الذرية أو محافظ القاهرة، إلخ، وبالثناء والتملق نستطيع مصالحته.
والشيزوفرينيا هي جنون الانطوائيين، وهي مبالغة في المزاج الانطوائي الذي نجد صاحبه في الصحة يؤثر العزلة على الاختلاط، ويتجاهل الواقع ويستسلم لخواطره، ويقصد إلى أهداف خيالية. وهو في المرض يلتزم غرفته لا يبرحها، ولا يبالي حتى الجوع أو العطش؛ فإذا ترك لم يطلب الطعام أو الماء، وهو يقسر على تناول الطعام بأنبوبة توضع في أنفه فيسلك منها الطعام إلى معدته، وأحيانا يبقى جامدا في وضع معين قد رفعت ذراعه أو ساقه، أو هو ينحني حتى تكاد تمس يداه الأرض، ويبقى ساعات على هذا الوضع لأنه يستسلم لخيالات تفصل بينه وبين الواقع كما تحول بينه وبين الإحساس بالألم أو التعب.
وفي جميع حالات السيكوز نجد كظما سابقا قد اختزنته الكامنة، ثم انفجر بجنون معين يلتئم مع شخصية المريض في الأغلب؛ أي: المانيا مع الانبساطي والشيزوفرينيا مع الانطوائي، ولكن ليس هذا قاطعا؛ لأننا أحيانا «قليلة» نجد الانبساطي الشيزوفريني كما نجد الانطوائي الماني.
وكما سبق أن قلنا: من المستطاع العلاج إذا كانت الإصابة في بدايتها، ولم يرسخ المرض في المريض ويقطع ما بينه وبين الواقع، أما إذا تقادم - وخاصة إذا كان هذا المرض شيزوفرينيا - فإن الأمل في الشفاء بعيد.
في النيوروز والسيكوز يحتاج المريض قبل كل شيء إلى الابتعاد عن الوسط الذي أحدث له الكظم، سواء أكان عائليا أم حرفيا؛ لأن الابتعاد الجغرافي يؤدي إلى ابتعاد نفسي.
وهناك أمراض تقف بين النيوروز والسيكوز؛ أي إن المريض يبصر بحالته ولا يحتفظ بوجدانه في كثير من تصرفه، أو أن هذا الوجدان يعود إليه في فترات فيستطيع أن يتعقل وينظر إلى نفسه النظرة الموضوعية. وقد رأينا في البارانويا المريض يحسن التفكير في عامة الأشياء إلا في نقطة معينة، فيخبرك مثلا أن القيامة قد عين لها ميعاد هو سنة 1950 ويتعب نفسه في إقناعك بهذه الفكرة، فهنا سيكوز يتحيز جزءا من تفكيره، ولكنه في سائر تفكيره حسن سوي.
وهناك النورستينيا، وهي توتر عاطفي يشتد فيؤثر أثرا خفيفا في الجسم، ففي فترات يحس المريض أن قلبه يوشك أن يطير منه، ويسيل العرق على وجهه كأنه يغتسل به، وفي يده رعشة وفي أنحاء جسمه قشعريرة أو اختلاجات، ثم هو يخاف ويتشاءم، وهذه الحال تعطله عن عمله الذي يرزق منه.
وقد رأيت أن هذه الحال تصيب كثيرا من الموظفين الذين يجدون من رؤسائهم معاكسات ومناكدات كل يوم، ويجب أن نذكر أن المعاكسات الصغيرة التي تبعث التوتر العاطفي، إذا تكررت كل يوم مثلا، تحدث في النفس أضرارا وأخطارا أكثر من الكارثة العظيمة تحدث مرة واحدة؛ فقد يستطيع أحدنا أن يتغلب على كارثة الإفلاس التام أو وفاة ابنه الوحيد أو قطع ساقه، وهو يترنح بالصدمة ولكنه يفيق، أما المناكدة اليومية من الزوجة أو الحماة، والمعاكسة من الرئيس بالتهديدات المتكررة كل يوم، فإن النفس لا تتحملها، وكثيرا ما تنحدر في مثل هذه الأحوال من النيوروز المرهق إلى السيكوز الذي يعيش فيه المريض مرتاحا بأحلامه وخيالاته، والمرأة التي تلجأ إلى الزار إنما تفعل ذلك لمناكدات يومية لا تطيقها من حماتها أو ضرتها أو زوجها.
وهناك الهستيريا - وهي بين النيوروز والسيكوز - وعلامتها التأثير في أحد أعضاء الجسم بالشلل مثلا، أو بحركة معينة لها معنى رمزي، كالاشتهاء الجنسي في المرأة المحرومة يؤدي إلى فالج أو حركات غير واضحة، وكالضابط في الجيش لا يطيق المعركة فيشل ويحمل إلى المستشفى. وأحيانا تعمد الفتاة أو السيدة وهي في الهستيريا إلى تحطيم الأطباق أو الأثاث وهي غائبة الذهن؛ فإذا كان الصباح نسيت كل شيء فيعزى التحطيم إلى العفاريت، والأغلب أن هناك كظما جنسيا هو الذي دفعها إلى هذا التصرف، وأثار عقلها الكامن إلى هذه العربدة، وهي في غير وجدانها، تنفيسا عن الشهوة الجنسية المكظومة.
ناپیژندل شوی مخ