المقدمة
كلمات يجب أن يعرفها القارئ
عقل الإنسان وعقل الحيوان
العقل والمخ
الغرائز والعواطف
الغريزة الأصلية
الجسم يؤثر في العقل
العقل يؤثر في الجسم
طبيعة التفكير
طبيعة الذكاء
ناپیژندل شوی مخ
الذكاء والعبقرية
طراز الجسم ومزاج النفس
المزاج النفسي أيضا
الخطأ الأساسي في التفكير
اللغة والتفكير
الكظم والعقل الكامن
العواطف المكظومة تلد العمل الفني
الأحلام ومغزاها
الكابوس وأسبابه
الإيحاء والتنويم النفسي
ناپیژندل شوی مخ
الانتحار السيكلوجي
المركبات
مركب النقص
الضمير
المجتمع البشري
العائلة البشرية
التطور الاجتماعي للشخصية
مرض النفس هو مرض المجتمع
العاطفة والوجدان
الانعكاسات المعدولة
ناپیژندل شوی مخ
الذاكرة والتخيل
التفكير الناجع
الاتجاه الذاتي والاتجاه الموضوعي
الخصائص السيكلوجية للمرأة
الحياة الجنسية
الحياة الاجتماعية والحياة الحرفية
حياتنا الفراغية
السعادة
وسائل عملية للسعادة
النفس السليمة
ناپیژندل شوی مخ
المرض والصحة درجتان
الأمراض النفسية الخفيفة
الأسلوب النفسي
تربية الأطفال
سيكلوجية الدرس
التحليل النفسي
التأليف أهم من التحليل
الزيغ الجنسي
النظر السيكلوجي للإجرام
الشخصية السيكوبائية
ناپیژندل شوی مخ
إحدى الشخصيات السيكوبائية
النيوروز
السيكوز
الجنون الذي يطفئ نور العقل!
المقدمة
كلمات يجب أن يعرفها القارئ
عقل الإنسان وعقل الحيوان
العقل والمخ
الغرائز والعواطف
الغريزة الأصلية
ناپیژندل شوی مخ
الجسم يؤثر في العقل
العقل يؤثر في الجسم
طبيعة التفكير
طبيعة الذكاء
الذكاء والعبقرية
طراز الجسم ومزاج النفس
المزاج النفسي أيضا
الخطأ الأساسي في التفكير
اللغة والتفكير
الكظم والعقل الكامن
ناپیژندل شوی مخ
العواطف المكظومة تلد العمل الفني
الأحلام ومغزاها
الكابوس وأسبابه
الإيحاء والتنويم النفسي
الانتحار السيكلوجي
المركبات
مركب النقص
الضمير
المجتمع البشري
العائلة البشرية
ناپیژندل شوی مخ
التطور الاجتماعي للشخصية
مرض النفس هو مرض المجتمع
العاطفة والوجدان
الانعكاسات المعدولة
الذاكرة والتخيل
التفكير الناجع
الاتجاه الذاتي والاتجاه الموضوعي
الخصائص السيكلوجية للمرأة
الحياة الجنسية
الحياة الاجتماعية والحياة الحرفية
ناپیژندل شوی مخ
حياتنا الفراغية
السعادة
وسائل عملية للسعادة
النفس السليمة
المرض والصحة درجتان
الأمراض النفسية الخفيفة
الأسلوب النفسي
تربية الأطفال
سيكلوجية الدرس
التحليل النفسي
ناپیژندل شوی مخ
التأليف أهم من التحليل
الزيغ الجنسي
النظر السيكلوجي للإجرام
الشخصية السيكوبائية
إحدى الشخصيات السيكوبائية
النيوروز
السيكوز
الجنون الذي يطفئ نور العقل!
عقلي وعقلك
عقلي وعقلك
ناپیژندل شوی مخ
تأليف
سلامة موسى
المقدمة
قبل خمس وعشرين سنة ألفت كتابي «العقل الباطن» فلقي إقبالا عظيما بين القراء وانتفع كثير منهم به؛ لأنه صادف حاجة في نفوسهم، وكان هذا الكتاب تأليفا ولم يكن ترجمة؛ لأني أوثر التأليف لما فيه من إيجاز هنا وإسهاب هناك بالقدر الذي أراه في الجمهور العربي القارئ واختلاف حاجاته، وهذه ميزات لا تتوافر في كتاب مترجم ولو كان مؤلفه من أعظم السيكلوجيين؛ إذ هو يكتب لمجتمع غير مجتمعنا.
وقد وجدت أن الحاجة تمس في الوقت الحاضر إلى كتاب أوفى وأكثر إسهابا؛ أولا: لأن الذين قرأوا «العقل الباطن» يستطيعون أن يفهموا وأن يطلبوا أكثر منه، وثانيا: لأن السيكلوجية قد سجلت كثيرا من التقدم؛ فالكاتب يسعه أن ينير ويفسر ويشرح كثيرا من التصرفات في الصحة أو المرض أو السلوك، أكثر مما كان يستطيع قبل 25 سنة، وخاصة بعد أن قام كثير من مؤلفينا في مصر بشروح سيكلوجية مطولة أو موجزة.
والتصرف البشري إما تصرف عاقل، وإما تصرف زائغ، والفرق بينهما هو فرق درجي وليس نوعيا. ومع أني قد التفت كثيرا إلى التصرف العاقل، فإني احتجت إلى أن أمس تصرف الزائفين لما يلقي هذا من ضوء على تصرف العقلاء؛ لأن الزيغ النفسي إنما هو في صميمه مبالغة في ناحية معينة من الاتجاه النفسي، وكما تعرف الصحة من المرض في أعضاء الجسم، كذلك تعرف النفس السليمة من اتجاهات وتصرفات النفس الزائغة.
وإذا كان الدجالون الذين يعالجون الأمراض أو الشذوذات النفسية قد تفشوا في أيامنا؛ فإنما يرجع هذا إلى شيوع الجهل بين الجمهور.
والسبيل إلى وقف هؤلاء الدجالين لن يكون إلا بنشر المعارف السيكلوجية الصحيحة التي يستطيع القارئ أن يسترشد بها في سلوكه، وأن يعرف بها زيف هؤلاء الدجالين.
وكل إنسان متعلم يجب أن يكون طبيبا نفسيا إلى حد ما. ولا يصح هذا القول على الناس من ناحية الطب العضوي؛ لأن الرجل المتعلم لا يأتمن نفسه على تناول جرعة من الزرنيخ كي يتقوى بها، ولكن هذا الرجل المتعلم يستطيع أن يعرف مقدارا كبيرا من السيكلوجية يسترشد به في سلوكه وتصرفه، وليس في الطب النفسي زرنيخ.
والطبيب النفسي الذي يطالب بمعالجة الطفل الزائغ، والزوجة الناشزة، والزوج النافر، والنزوة الانتحارية، واللياقة الحرفية، والإضراب عن الاهتمامات الدنيوية، والسرور أو الحزن في غير مناسبتيهما، هذا الطبيب يحتاج إلى دراسات واسعة متشعبة في فهم الطبيعة البشرية؛ إذ يجب أن يدرس البيولوجية والفلسفة والاقتصاد والاجتماع والدين والتاريخ والآداب؛ لأن الواقع أن مشكلاتنا النفسية هي في النهاية مشكلات فلسفية؛ أي إنها تتصل بموقفنا العالمي وما نرغب في تحقيقه في هذه الدنيا، وهل نحن نتجه إلى أهداف حسنة أم قد انخدعنا بأهداف زائفة؛ أي: ما هي الخارطة النفسية التي نرسمها لشئون هذا الكوكب الروحية والمادية؟
ناپیژندل شوی مخ
وبديهي أن العلم الأمثل هو الذي يستطيع أن نعبر عن حقائقه بالأرقام أو ما يقاربها في الصحة، ولا يمكن أن يقال هذا عن السيكلوجية في أيامنا. وإن كان مقدار كبير من المعارف السيكلوجية الآن يقوم على أساس من التجارب والأرقام. ولكن الطب العضوي نفسه كذلك لم يبلغ الكمال، بل هذا الكمال لم يبلغه أي علم، على أن الاتجاه التجريبي في السيكلوجية سوف يحقق شيئا كثيرا من الوصول إلى هذا الهدف.
وألغاز الحياة كثيرة. والسيكلوجية تحاول أن تسبر أعماقها وتنشد لها حلولا، وهي كل يوم تحقق نصرا بعد نصر.
وهذا الكتاب هو مجهود لنشر الحقائق، بلغة القرن العشرين العربية، عن السيكلوجية العصرية.
وقد اخترت ثلاث كلمات جديدة؛ فإني استبدلت بعبارة العقل الباطن كلمة: الكامنة؛ أي: العقل الكامن؛ وذلك لأن العبارة الأولى توهم الركود، أما الثانية ففيها معنى النشاط والتربص، وكلاهما من صفات الكامنة التي تتربص بنا، وأحيانا تتغلب علينا.
والكلمة الثانية هي الوجدان بدلا من الوعي؛ لأن الأولى أصح لغة من الثانية؛ لأن الوعي مشتق من فعل وعى، وليس فيه معنى غير الحفظ؛ ومن هنا الوعاء؛ أي: الإناء الذي نحفظ فيه شيئا، ولكن الوجدان مشتق من فعل وجد؛ أي: كيف تجد نفسك؟
والكلمة الثالثة هي الكظم بدلا من الكبت، وقد اخترتها لأنها أصح لغة، ولأن الجمهور يعرفها من عبارة كظم الغيظ. وقد يعاب عليها أننا نكظم ونحن على وجدان، وأن الكظم السيئ يحدث بلا وجدان. ولكن هذا التمييز يمكن أن نلتفت إليه في التفسير والإيضاح.
أما سائر الكلمات السيكلوجية مثل: السيكوز والنيوروز والهستيريا والنورستينيا والسيكوبائية، وما إليها؛ فقد أبقيتها على أصلها اللغوي الذي يتعارف به جميع السيكلوجيين على هذا الكوكب مهما اختلفت لغاتهم الوطنية، ولكل علم لغة يتعارف بها علماؤه، وهي تختلف من اللغات الوطنية؛ ولذلك لا يصح ترجمة هذه الكلمات، وقد وفيتها إيضاحا.
ورجائي أن أنفع القراء، فأثير اهتمامهم واستطلاعهم، وأستفز ذكاءهم إلى الاستزادة.
سلامة موسى
كلمات يجب أن يعرفها القارئ
ناپیژندل شوی مخ
بارانويا:
مرض نفسي يبدو فيه المريض سليما في كل شيء إلا في موضوع معين؛ إذ يعتقد بشأنه اعتقادا غير سليم.
باطن: «عقل باطن» هو ما نسميه الآن «الكامنة» أو العقل الكامن؛ أي: تلك الأفكار والدوافع المختزنة التي لا ندري بها، ولكنها تقرر - من حيث لا ندري - محابنا ومكارهنا وتعين تصرفنا؛ لأنها أقوى وأرسخ من وجداننا وأدوم منه.
تنويم نفسي:
الهبنوتية؛ أي: الإيحاء المركز الذي نستطيع به أن نوحي إلى آخر بالنوم فيسمع لنا ويخضع لأوامرنا، حتى بعد أن يستيقظ من هذا النوم.
سيكوبائية:
مرض نفسي بين النيروز والسيكوز لا يفرز صاحبه من سائر الناس، ولكنه يبدو في شذوذ جنسي أو إجرام أو نحو ذلك.
سيكوز:
مرض العقل حين يختل عقل المريض ويعجز عن التفكير الموضوعي المنطقي، ويستسلم لخيالات ذاتية.
شيزوفرينيا:
ناپیژندل شوی مخ
سيكوز؛ أي: مرض بالعقل يحمل المريض على الاستسلام للتفكير الذاتي، فينفصل عن العالم الموضوعي.
عاطفة:
الغريزة وقت احتدادها.
غريزة:
دافع نفسي طبيعي يحملنا على تجنب الخطر أو طلب الأنثى أو نحو ذلك.
كامنة:
العقل الكامن (وهو ما كنا نسميه قبلا: العقل الباطن).
كبت:
هو ما نسميه الآن الكظم؛ أي: حبس عواطفنا، وهي عندما تنحبس تكمن في الكامنة وتصوغ تصرفاتنا من حيث لا ندري.
كظم:
ناپیژندل شوی مخ
حبس العواطف سواء عن وجدان أم بلا وجدان، وهو في الحال الأولى أسهل في العلاج مما هو في الحالة الثانية.
مانيا:
سيكوز؛ أي: مرض عقلي يحمل صاحبه على التشاؤم والاغتمام في الأغلب، أو في الأقل على السرور والغبطة، مع عقائد وخيالات ذاتية.
نورستينيا:
توتر عاطفي يبدو في خفقان القلب والخوف والعرق والرعشة والتعب.
نيوروز:
هو مرض العاطفة حين تحتد احتدادا لا يطاق، كالشك أو الخوف أو الكراهية أو الاشمئزاز.
هبنوتية:
التنويم النفسي؛ أي: حين نحمل أحد الناس على النوم بحيث يستمع لنا ويطيع أوامرنا ويصدقها؛ أي إننا نوحي إليه ما نشاء أن يصدقه.
هستيريا:
ناپیژندل شوی مخ
سيكوز؛ أي: مرض عقلي يرافقه مرض وظيفي في أحد أعضاء الجسم.
وجدان:
هو ما كنا نسميه قبل الآن: «وعي»؛ أي: هو النظر الموضوعي المنطقي، لشئون الحياة.
وفي هذا الكتاب قد استغنينا عن كثير من الكلمات السيكلوجية؛ أولا: لأننا رأينا أن فيها إرهاقا للقارئ العادي، وثانيا: لأننا نعتقد أن كثيرا منها سيزول بعد التمحيص؛ أي: عندما يثبت أنها وضعت في ضوء تفسيرات غير صحيحة.
عقل الإنسان وعقل الحيوان
حين نقارن بين العقلين في الإنسان والحيوان يجب أن نميز بين الحيوانات؛ فإن القرد والسلحفاة والسمكة والنملة والإسفنج من الحيوانات، والاختلاف بينها في القوى «العقلية» من العظم بحيث يجعل المقارنة شاقة، بل مستحيلة. بل إن من الخطأ أن نقول: إن للإسفنج أو المحار عقلا؛ إذ ليس لهما دماغ، ولكنا نجد فيهما بداية الجهاز العصبي والإحساس.
اغرز إبرة في يد إنسان فيصرخ بعد ثانيتين.
واغرز إبرة في إسفنجة فتقفل فتحتها بعد عشر دقائق.
ومعنى هذا: أن الإحساس يسير بسرعة 255 ميلا في الساعة في الإنسان، أما في الإسفنج فلا يسير إلا بسرعة ثلاثة أميال ونصف ميل في الساعة.
لما ظهر الإسفنج على كوكبنا كانت الطبيعة مبتدئة تصنع آلات بطيئة، فلما وصلت إلى الإنسان بعد نحو 500 أو 600 مليون سنة استطاعت أن تصنع آلات سريعة، والإسفنج من أحط أنواع الحيوان، ليست له عين أو أذن أو أنف، وليس له دماغ؛ ولذلك لا تصلح المقارنة بيننا وبينه، ولكن المقارنة بين الإنسان والقرد الشمبنزي أو القرد الغوريلا معقولة، تنهض على أساس حسن؛ لأن الفرق بيننا وبينهما درجي وليس نوعيا.
ناپیژندل شوی مخ
وأصلنا مع ذلك من الحيوان، ولنا غرائزه التي تعمل بعواطف نضبطها بالعقل وأحيانا لا نضبطها، وامتيازنا على جميع الحيوانات هو الدماغ الكبير الذي يستطيع ضبط عواطفنا أكثر مما يستطيعه الحيوان، وليس معنى هذا أنه ليس للحيوان الباقي دماغ، إنما معناه أن دماغنا أكبر وأضخم يتسع للتفكير الذي لا يصل إليه أرقى الحيوانات دوننا.
ويمكن أن نقول على وجه الإجمال: إن أحط الحيوان كالإسفنج أو المحار يقتصر نشاطه العصبي على الرجع الانعكاسي، كما يحدث لأحدنا عندما تطرف عينه؛ فإذا ارتقى الحيوان على ذلك أصبح نشاطه عاطفيا؛ يغضب فيقاتل، أو يخاف فيفر، كما نرى في السمك؛ فإذا ارتقى على ذلك صار للعقل قوة الضبط - قليلا أو كثيرا - لهذه العواطف، وهذا الضبط على أكثره في الإنسان.
وضبط العاطفة يعود إلى الوجدان؛ أي إلى تلك الوقفة أو الحالة التي لا نستسلم فيها لعاطفة الغضب مثلا، فلا نندفع إلى ضرب الخصم؛ بل نقف ونتأمل، وندري أننا نقف ونتأمل، ونفكر في الخطة المثلى التي يقتضيها الظرف؛ أي وجدان يؤدي إلى التفكير الذكي، بل هو التفكير الذكي.
وكثير من نشاطنا العصبي رجع انعكاسي؛ كما نرى في طرفة العين عند لقاء النور الساطع وتحرك اللعاب عند رؤية الطعام، وكثير منه رجع عاطفي؛ كما نرى في الغضب والحزن والاشمئزاز والفرح. وأساس العاطفة مع ذلك هو الرجع الانعكاسي، والقليل من نشاطنا العصبي وجداني حين نحاول حل مشكلة فنزن الاعتبارات المختلفة، وقد نصل إلى قرار ضد عواطفنا، كالشاب يحس عاطفة قوية نحو الفتاة ثم يفكر في الزواج بها، ولكنه ينتهي إلى الإحجام لاعتبارات اجتماعية أو اقتصادية.
نحن نمتاز على الحيوان بضخامة المخ ووفرة أخاديده وزيادة الوجدان؛ أي: زيادة التفكير.
وبالطبع هناك اعتبارات أخرى كثيرة جعلت الإنسان يمتاز بالرقي العقلي على الحيوان قبل ضخامة المخ وكثرة أخاديده؛ منها مثلا: أننا اعتمدنا على النظر دون الشم في التعرف إلى الأشياء والحيوان والنبات، وتفكيرنا - أو بالأحرى وجداننا - هو وجدان الرؤية، حتى إننا نقول: «يرى رأيا» كما لو كنا نقول: «يفكر تفكيرا»؛ فنحن نعرف الدنيا بالعين، في حين أن معظم الحيوانات يعرفها بالأنف؛ أي: الشم.
والرؤية تجعلنا نفهم الدنيا - إلى حد ما - فهما موضوعيا منفصلا من عواطفنا، أما الشم فيجعل الفهم - إلى حد كبير - ذاتيا؛ فالدنيا عند الكلب، هي مجموعة من الانعكاسات العصبية في فمه وأنفه، أما العين عندنا فترسم لنا خارطة تكاد تكون صحيحة للدنيا، ولكن الأنف والفم لا يرسمان خارطة صحيحة للكلب؛ ومن هنا كلماتنا في معاني التفكير: الرأي، النظر، التطلع، الاستطلاع، الرؤية، الرؤيا، الروية، التبصر، التشوف؛ فإنها كلها كلمات تدل على تفكير العين.
ونستطيع أن نزيد في المقارنة بيننا وبين الحيوان، فنقول: إن تعقل الحيوان - مثلا - حسي، وتعقلنا تصوري؛ هو يحس ويسلك بمقتضى إحساسه فقط، ونحن نحس ونسلك بمقتضى تصورنا وتخيلنا. وهذا أيضا كلام مجمل؛ لأن كثيرا من الحيوانات العليا تتصور وتتخيل، وإن لم تبلغ درجتنا.
واللغة عندنا تجعل كثيرا من التعقل تخيليا تصوريا. والحيوان محروم من اللغة، فلا يجد ما نجد من رسم الصور في أذهاننا والتفاهم بالكلمات عن الأشياء حين تنتقل الصور، وتتغير الأخيلة في أذهاننا بالحديث.
ولننظر نظرة أخرى، هي النظرة التطورية:
ناپیژندل شوی مخ
أحط الأنواع في النشاط العصبي هو الرجع الانعكاسي؛ وبرهان انحطاطه أننا نحس هذا الرجع بلا حاجة إلى المخ؛ فإن حركة القدم من التجميش أو الوخز تحدث بعد قطع رأس الحيوان؛ لأن مركز الإحساس هنا هو الحبل الشوكي «داخل الفقار» وليس المخ.
وأعلى من الرجع الانعكاسي، العاطفة؛ أي: الرجع الغريزي.
وأعلى من هذين، هو الوجدان الذي يؤدي إلى التعقل.
وأقدم الحيوانات، وجميع الأحياء البدائية القديمة - مثل الإسفنج - انعكاسية السلوك، وأقل منها قدما الحيوانات العاطفية (الغريزية)، وأجد الحيوانات هي الوجدانية التي تتعقل ولا تستسلم للعواطف، وأعلاها هو الإنسان.
وهذا نراه في نومنا أو وقت التخدر بالخمر أو غيرها؛ فإن أقدم رجوعنا العصبية هو بالطبع أرسخها في نفوسنا، لا يتزعزع بالنوم أو الخمر، وأجدها هو أكثرها تزعزعا وزوالا في النوم أو الخمر، فنحن في هاتين الحالين نعجز عن التعقل بالوجدان. ولكن الرجع الانعكاسي يبقى حيا؛ كما إذا جمش أحد قدمنا فإننا نسحبها حتى ونحن نيام، بل أحيانا العاطفة تبقى حية فنجد نشاطا جنسيا في النوم، ولكن ليس هناك مكان للوجدان في النوم أو وقت التخدر.
تفكير العاطفة هو مثل الغضب والحسد والأنانية والشره والكراهة، وتفكير الوجدان هو مثل المنطق والهندسة والمروءة والواجب والتبصر والشرف. وحين تملكني العاطفة أكون منفعلا فلا أكاد أفكر كما يحدث عندما أجري من الخوف أو آكل وأنا جائع أو أتشاجر في غضب.
ولكني في الوجدان أوازن بين عاطفة وأخرى، فأقف وأتبصر وأعتمد على المنطق وأروي وأنتقد وأحلل وأؤلف.
الوجدان هو أن أفكر وأعمل وأنا أدري أني أفكر وأعمل، هو كما قال ديكارت، قبل أكثر من 300 سنة: «أنا أفكر؛ ولذلك أنا موجود.»
العاطفة هي أن أنساق في رغبة أو شهوة قسرا أو كالقسر، وأنسى نفسي فلا أكاد أفكر.
الحيوان عاطفي لا يدري بوجوده (= بوجدانه)، وهو ينفعل بعاطفته وينساق بها مضطرا أو كالمضطر في تصرفه. والدنيا مصورة في عقله تصويرا ذاتيا أملته العاطفة، وهو تصوير يخالف الواقع.
ناپیژندل شوی مخ
ولكن الإنسان وجداني، يدري بوجوده، يقف ويتأمل ويوازن بين الاعتبارات، والدنيا مصورة في ذهنه تصويرا موضوعيا؛ أي كما هي تقريبا في الواقع غير متأثر بانفعالاته أو متأثر قليلا.
وعندما نتأمل أنفسنا نجد أننا نختلف في الوجدان عما نكون عليه في العاطفة، ويكاد هذا الاختلاف يساوي الفرق بين اليقظة والنوم. والواقع أن كثيرا من الحيوانات - كالديدان والزواحف والحشرات - يعيش كما لو كان في حال النوم البشري؛ ينساق بغرائزه وعواطفه وانعكاساته؛ لأن هذا هو كل ما يملك؛ إذ ليس له وجدان.
وغاية الفلسفة والدين والعلم أن ينقلنا كل منها من العاطفة والنظر الذاتي التسليمي للدنيا إلى الوجدان بالنظر الموضوعي الانتقادي. ويمكن أن نقيس رقي المجتمع بقدر ما في زعمائه وأشخاصه ومذاهبه من وجدان. والرجل الحكيم هو الذي يرفض السلوك العاطفي الذاتي ويعمد إلى السلوك الوجداني الموضوعي. والمقياس السديد للسلامة النفسية هو الوجدان؛ إذ على قدر اعتمادنا في السلوك والتصرف على الوجدان بالنظر الموضوعي تكون سلامتنا، وعلى قدر بعدنا من الوجدان وانسياقنا وراء العواطف يكون المرض النفسي.
والوجدان يؤدي إلى الذكاء، وهو «الغريزة العالمية» التي تحملنا على ترك إحساسنا الخاص والتخلص من انفعالاتنا حتى نرى الدنيا رؤية موضوعية؛ أي: كما هي في حقيقتها وليس كما يصورها لنا غضبنا أو هوانا أو طمعنا أو خوفنا؛ أي: ليس كما تصورها لنا انفعالاتنا. بل يكاد الوجدان في البشر يكون عاطفة جديدة؛ لأننا بالوجدان نحس قيما ونتخذ مقاييس عالمية - بل كونية - نتساءل عن أصل العالم والنجوم والحيوان والنبات وأصل الكون ومنتهاه، ونبحث الحضارة الصينية وأجزاء الذرة وقيمة الفلسفة والدين والغاية من الوجود، وأصل الفضيلة، وننتقد الطبيعة ونصوغ المستقبل. أليس الوجدان هو الذي يحمل غاندي على أن يجمع بين الثورة والقداسة؟ ففي حين يرى الطبيعة حمراء بين الناب والمخلب كلها قسوة وبطش وتقتيل، يعمد هو بوجدانه - أي بإحساسه الأفيانوسي - إلى الدعوة إلى حب الإنجليز، حتى وهو يرى بنادقهم مسلطة على الهنود.
ومع ذلك هذا هو وجداننا الآن في أسمى إنسان نعرفه في عصرنا. ولكنا لا نعرف ما سوف يكون هذا الوجدان بعد الألوف من السنين!
ووجداننا كما ورثناه من الطبيعة شيء عظيم في ذاته؛ أي إنه اختراع جديد يفصل ما بيننا وبين الحيوان، ولكنه أعظم بالمجتمع والثقافة.
انظر إلى فكرة الموت التي يعرفها البشر ولا يعرفها الحيوان؛ فإن هذه الفكرة الوجدانية قد جمعت حولها مركبات: اختراع الآلهة ومبادئ الدين، والفضائل والرذائل، وفكرة الحياة الفاضلة، كما أنها حركت الكثير من الصناعات والحرف، وزاد الوجدان بذلك زيادة عظمى.
وانظر إلى اكتشاف الزراعة التي أوجدت الحكومة وعلوم الهندسة والفلك وشتى المعارف الأخرى.
وكذلك لا ننسى قيمة اللغة في الوجدان، وكذلك النظريات الاجتماعية التي تعد كل منها محاولة لتفهم المجتمع تفهما وجدانيا، وأذكر مثلا قولنا: «ليس عند هذا العامل وجدان طبقي»؛ أي إن فهمه لحالته الاقتصادية مقصور على نفسه، ولم يتعمم إلى آلاف العمال في هذا العالم، وقس على هذا.
وغاية الوجدان كما نبصرها الآن في ضوء تكونه وتطوره الماضيين أن يكون حاسة كونية نعرف بها الأشياء في هذا الكون كما هي في حقيقتها.
ناپیژندل شوی مخ