ابحث أحلام اليقظة وأحلام النوم عنده تجد أنه يحلم بالانتحار، ويمارس الانتحار في لذة وليس في خوف في هذه الأحلام، وقد يرغب في الفشل لأنه يكره زوجته أو عائلته كلها، وفي أعماق كامنته (عقله الكامن) أن فشله يعود عليهم بالضرر، فهو ينتقم منه به، كما ينتقم الصبي من أبويه حين يرفض مذاكرة دروسه؛ لأنه يرى منهما غيرة عليه ورغبة في أن ينجح، وهما يفرحان بنجاحه وهو لا يريد لهما فرحا.
وعندما تتحدث إلى هذا الفاشل يقول لك: إن عنده رغبة في النجاح ولكن الظروف معاكسة، ولكن الرغبة لا تكفي، وكلنا نرغب بعواطفنا في أن نكون أثرياء، ولكنا لا نحيل رغبة العاطفة إلى إرادة الوجدان، ولو صارت الرغبة إرادة لجهدنا وعملنا على تحقيق النجاح وتخلصنا من جميع العقبات القائمة، وعندئذ نربط الأمنية بالواقع ونشرع في التنفيذ.
والنيوروز أي: جنون العاطفة، نبسطها على الشخصية، هو الطريق إلى السيكوز؛ أي: جنون العقل بإيجاد خيالات واختراع قصص ترتاح إليها الشخصية، ولكن يجب ألا ننسى أنه لا يصل إلى السيكوز سوى واحد في الألف أو أقل وإننا كلنا؛ أي: المائة، نصاب في وقت ما بالنيوروز، وهو يزول عنا دون أن نبالي به كالرشح أو غيره من الوعكات الخفيفة في الجسم.
النيوروزي عاطفي انفعالي، وكي نعالجه يجب أن ننقله إلى الوجدان بالنظر الموضوعي؛ أي: يجب أن نقول له: لا تنفعل، تعقل، ونحلل شخصيته ونفلسف له، ونشعره أنه إنسان متمدن، ونغير القيم الأخلاقية التي يعتمد عليها - وهي في الأغلب زائفة - إلى قيم صحيحة يرتاح إليها الرجل الحكيم، أجل. يجب أن نحيله حكيما.
وإذا تفاقم النيوروز انقلب أحيانا إلى هستيريا؛ أي إن عاطفة الخوف مثلا عند الطيار «اختمرت» في الكامنة ثم انبجست عن شلل في ذراعه، أو عاطفة الكراهة للزوجة قد اختمرت في الكامنة ثم انبجست في الزوج عن عمى فلا يرى الدنيا.
الشلل والعمى كاذبان، وهما مجهودا النفس كي تتخلص في الحالة الأولى من خطر الطيران وفي الحال الثانية من رؤية الزوجة، وليس هنا سيكوز؛ لأن العقل لا يزال سليما، ولكنا نفهم من هذه الهستيريا أن النيوروز قد تفاقم؛ أي إن الشهوات والرغبات والعواطف الكامنة قد ثارت وانفجرت لأنها لم تطق الاحتباس.
والنيوروزي يعالج بالصبر والفطنة والحب؛ أي إننا نحلل نفسه ونضيف إلى التحليل شيئا من الإيحاء - بل الهبنوتية إذا كانت حاله متفاقمة - ونحاول أن نسبر أعماقه ونحمله على الثقة حتى نرده إلى الوجدان، ثم نرسم له - في ضوء ظروفه - خطة بنائية تملأ نفسه استبشارا وتشغل فراغه وتؤلف شخصيته المزعومة من جديد.
السيكوز
الفصول السابقة هي للتنوير والإرشاد، ولكن هذا الفصل للتنوير فقط؛ فإن السيكوز هو أخطر الأمراض النفسية، ولذلك يحتاج إلى المتخصص كما تجب المبادرة في علاجه، ولا يجوز للمؤلف أن يتقدم بنصيحة أو إرشاد فيه، وإنما يقتصر على التنوير.
وقد تكون هناك أسباب جسمية أو مادية نجهلها في أصل السيكوز، بل قد يكون هذا أيضا في أصل النيوروز، وفرويد نفسه لم يستبعد هذا الأصل، ولكن إلى الآن نجهل أي شيء يتصل بأصول جسمية سواء للنيوروز أو السيكوز.
ناپیژندل شوی مخ