106

عقلي وعقلک

عقلي وعقلك

ژانرونه

وعائلة حسنة هي شيء كبير في السعادة.

ولكن العائلة الحسنة هي تلك التي تنبني على الحب، وليس بعيدا أن ينمو الحب بعد الزواج إذا لم يكن قد نما قبل الزواج، ولكن السعادة تكون مكفولة أكثر إذا كنا نجعل الحب أساس الزواج، ولا نتزوج إلا بعد تعارف طويل نثق منه أننا نحب هذا الشريك الآخر الذي ننوي أن نعيش معه ونعاشره طيلة العمر.

وقد أعجبت بقول الإمام ابن حزم في «طوق الحمامة» أنه لا يمكن إنسانا أن يحب امرأتين، وإنما هو يشتهيهما فقط، وفرق عظيم بين الاشتهاء والحب؛ ولذلك يجب أن يعنى الشاب أكبر العناية قبل الزواج بهذه الفتاة التي يخطبها، وأن يهدف من زواجه منها إلى العمر كله بلا حاجة إلى طلاق أو ضرار.

وليست عائلاتنا سعيدة لتفشي الضرار والطلاق فيها، بل إن هذا التفشي هو الأصل للأمراض النفسية التي تعانيها زوجاتنا أو كثيرات منهن، وهي الأمراض التي يحاولن معالجتها بالزار.

ومما يفسد الزواج أن يحتوي البيت الحماة سواء أكانت أم الزوج أم الزوجة، وقد تكون هذه السيدة من فضليات النساء، ولكن موضعها العائلي - باعتبارها حماة لأحد الزوجين - يحيل البيت إلى جهنم. •••

قلنا: إننا كي نسعد بحياتنا، نحتاج إلى مهارة فنية تتيح لنا الارتزاق بالإنتاج الشريف، ثم نحتاج إلى مركز اجتماعي يكفل كرامتنا، ثم إلى عائلة حسنة نعيش فيها آمنين، نلجأ إلى بيتنا كما لو كان حصنا لا تستطيع الكوارث أن تدخله.

ولكن السعادة تحتاج إلى شرط رابع ربما كان أخطرها جميعها، وهو أن نتطور ونتجدد بأية صورة، فقد تكون السياحة تجددا من حيث إنها تنقلنا من وسط إلى آخر، فنحس كما لو كنا نعيش عمرا آخر، حتى ولو لم تزد مدته على شهور نزور فيها باريس أو أسوان أو لبنان.

وقد تكون فنا جديدا نتعلمه ولو كنا في آخر العمر؛ لأننا نحس ونحن نمارس هذا الفن الجديد أننا في ارتقاء، في صعود، وأننا نحيا الحياة الحيوية التي لا تعرف الركود.

وأولئك الذين جعلوا الثقافة عادتهم يحسون هذا الارتقاء المتوالي؛ لأنهم يجدون في تجدد الموضوعات التي يدرسونها تجددا شخصيا لهم، بل هم يتطعمون الحياة التي تمسخ عند غيرهم من الذين لا يدرسون، وإني لأعرف أحد هؤلاء المثقفين في الخامسة والستين من عمره، يدرس هذه الأيام الذرة بكل ما فيها من ارتباكات ومشكلات، وهو سعيد ملتذ بجهده هذا.

ولكن ربما كان أعظم ما يكفل السعادة أن يندغم الإنسان في كفاح إنساني للخير والبر والشرف؛ فإن هذا الكفاح يكسبه الكرامة السرية التي يتحدث بها إليه ضميره، كرامة السيف في غمده، قد تنظر إليه أنت فلا تجد ما يؤهله للسعادة، ولكنه هو يعرف من نفسه، ومن قلبه، ومن هدفه، أنه سعيد، بل أعظم السعداء، وأن ما ينزل به من كوارث المرض أو الفقر أو الإهانة الشخصية ليس شيئا في جانب الكرامة التي أضفاها عليه كفاحه الإنساني في خدمة البشر.

ناپیژندل شوی مخ