105

عقلي وعقلک

عقلي وعقلك

ژانرونه

ولكن العبرة أن نتعلم مهارة خاصة تكون وسيلتنا للعيش الشريف الذي لا نحتاج فيه إلى الرجاء أو التوسل، ثم هذه القدرة على أن ننتج عملا يحتاج إلى مهارة، هي في النهاية وسيلتنا إلى الكرامة الاجتماعية التي نتوخاها، بل هي مقياسنا الذي نقيس به صلاحنا وسعادتنا.

والكرامة الاجتماعية هي شيء كبير جدا في سعادتنا، وهي بالطبع تختلف بين بيئة وبيئة وبين مجتمع ومجتمع؛ فهناك ما يملكه أحدنا من أفدنة، أو ما يحوزه من ألقاب علمية، أو ما يؤلفه من كتب، أو ما يشفي من مرض إذا كان طبيبا، أو ما يكسب من قضايا إذا كان محاميا، إلخ.

وأعظم رجل في مصر في أيامنا محمد نجيب، لا يملك قيراطا من الأرض، ومع ذلك ترتفع كرامته إلى أعلى مستوى، وهو بذلك سعيد؛ إذ هو قد وجد ميدانا آخر للكرامة لا يمت إلى ثراء أو وجاهة أو لقب.

ولكن مع جميع اختلافاتنا، نحتاج إلى أن نحس أن المجتمع يحترمنا وأننا غير محتقرين، وعندما نسمع عن أحد التجار أو أحد الطلبة أو أحد الموظفين أنه قد حاول الانتحار؛ فإن السبب الخفي لهذه المحاولات هو خوفه من الاحتقار؛ فإن التاجر يخشى الإفلاس، والطالب يخشى الرسوب، والموظف يخشى الفضيحة لأنه اختلس، وهذه الخشية هي في النهاية خشية الاحتقار الاجتماعي.

وإنما يكفل لنا الكرامة الاجتماعية مرتزق حسن نبدي فيه مهارة تعود علينا بكسب يكفل لنا العيش الكريم، بحيث لا نحتاج أو لا نضطر إلى انحراف أو شذوذ يجلب علينا احتقار المجتمع.

وإحساسنا بالكرامة الاجتماعية هو أيضا وقاؤنا من الانحلال والإسراف والشطط، بل من الشذوذ والإجرام.

وما زلت أذكر مع الضحك أحد المجرمين، وكان ذكيا، قعد إلي يحدثني عن جريمته، فكان ما قاله أن كل الناس يحبون أن يرتكبوا الجرائم لولا أنهم يخجلون، والخجل هنا هو الإحساس الاجتماعي بالاحتقار الذي يعود عليهم إذا شذوا أو سقطوا.

وهذا الإحساس بالكرامة يعم الناس في جميع الأعمار تقريبا ويحسون ضرورته، فإن الصبي الذي لم يتجاوز الخامسة عشرة قد يبتئس، ويحس أن الدنيا كلها حالكة إذا كانت أمه تهينه أو تحتقره أمام إخوته، وقد يضحي بكل شيء في سبيل استرداده لكرامته المجروحة، ومما يؤسف له أنه يفعل ذلك أحيانا بأساليب طفلية، كأن يؤكد شخصيته وكرامته عن سبيل الإيذاء أو المغامرة.

والحياة الزوجية السليمة هي أحد الأركان الذي يدعم السعادة؛ لأنها تكفل لنا نفسا سليمة من الكظم المؤذي، كما أنها - إلى حد بعيد - تجعلنا نحس الكرامة الاجتماعية التي تنقصنا ما دمنا في العزوبة، وهناك آلاف من الناس يتزوجون لتحقيق الكرامة الاجتماعية فقط.

وفي مجتمعنا الحاضر الذي يحفل بالطوارئ الاقتصادية والتفاوت الاجتماعي والأمراض المختلفة، يحتاج كل منا إلى هذا الحصن المأمون، وهو البيت الذي نجد في نظامه العائلي تضامنا كما لو كان شركة تأمين عامة لجميع أعضائه، وهناك أرقام لا يتطرق الشك إليها، تدل على أن المنتحرين من العزب أكثر جدا من المنتحرين من المتزوجين، ودلالة هذه الحقيقة تحملنا على الاعتقاد بأن الأعزب لا يستمتع بحياته، ولا يجد لها جذورا تربطه بالدنيا كما يجد المتزوج؛ ولذلك يسهل عليه تركها بالموت.

ناپیژندل شوی مخ