وقد اهتم خالد بالعزل بين خيل العدو ومشاته، فتضايقت الخيل وعجزت عن الجولان وولت هاربة فأخلوا لها الطريق، ورجع المشاة إلى الخنادق فلحقهم بها المسلمون، ثم أحاطوا بهم من ورائهم فشاع فيهم الذعر وسقطوا وهم مولون مهرولون في هوة الواقوصة أو وادي الرقاد وقيل: إن موتاهم بالواقوصة كانوا أكثر من قتلاهم في حومة الوغى؛ لأنهم قدروا بثمانين ألفا سقطوا في الوادي فرادى وجماعات؛ إذ كان بعضهم يقرنون أنفسهم في السلاسل كل عشرة في سلسلة واحدة تثبيتا لأقدامهم وتيئيسا من الفرار، فإذا بالوجل يفل حديد السلاسل كما فل عزائم القلوب وبلغ اليأس مبلغه من أشراف القوم فقعدوا في أماكنهم ينتظرون الموت، فكأنهم قد فروا قاعدين!
وحق لهرقل وقد حبطت محاولاته جميعا بعد اليرموك أن يودع الشام إلى عاصمة ملكه المتصدع وداعا - كما قال - ليس بعده لقاء.
الفصل الثامن
العزل
يستحق الرجل أن يسمى بطلا من أبطال التاريخ إذا كان له «دور تاريخي» يقضيه ويتسم بملامحه ودواعيه ...
وآية انقضاء ذلك الدور أن يبلغ البطل من الأعمال المقدورة له قمتها العليا التي لا قمة وراءها، وأنه يعدو هذا الدور فإذا هو مفتئت على الآخرين ممن لهم حق مثل حقه في أدوار التاريخ، أو يعدوه إلى أعمال يغني فيها الآخرون مثل غنائه، وتدخل في باب من السعي والدراية غير بابه.
وقد بلغ خالد في معركة اليرموك قمته العليا التي لا مرتقى بعدها لراق: قمع فتنة الردة، وضرب دولة الأكاسرة ضربته الدامغة، ووحد قيادة المسلمين في حرب الرومان فصدهم إلى ما وراء حدودهم، وخلت ميادين الشام بعدها من أعمال يصح أن تسمى بالأعمال الخالدية. فهي بين حصار أو مراوغة أو تسليم، وإنما يراد خالد لتحطيم قوى الأعداء التي تعز على التحطيم.
وإن يكن من عمل «خالدي» في ميادين الشام بعد معركة اليرموك فهو عمله في مرج الروم، ثم عمله في قنسرين.
1
ففي مرج الروم، كان هو وأبو عبيدة ينازلهما قائدان رومانيان هما جونس وتوذر كما سماه خالد، فتسلل توذر تحت الليل ليفاجئ الجيش العربي عند دمشق بقيادة يزيد بن أبي سفيان ويأخذ جيوش المسلمين على غرة متفرقين. فاتفق خالد وأبو عبيدة على تعقبه ومفاجأته من خلفه قبل أن يفاجئ يزيد بن أبي سفيان فأوقعاه في الفخ الذي نصبه، ولم يرجع خالد إلى أبي عبيدة إلا وتوذر مقتول وجيشه مبدد كما قال:
ناپیژندل شوی مخ