لأن الإعسار في الواقع أعون على الفكاهة من اليسار. ومن هنا كان ولع الناس بالفكاهة في أيام الحروب وأزمات الشدة ومظالم الاستبداد، كأنها ضرب من التعويض والمقابلة ولا غرابة في ذلك حيث ننظر إلى منشأ الفكاهة في جملتها، فهي على أكثرها وليدة المفارقة بين الحالات وليست وليدة الموافقة الموائمة، وما أكثر المفارقات في حياة المعسرين.
ولعلنا نبلغ مقطع القول في هذه الملاحظة حين نقول: إن الموسر أقدر على التسلية والمعسر أقدر على الفكاهة. وبين التسلية والفكاهة فرق غير مجهول. رحم الله خالدا ... إنه كان جنديا وكفى!
لكنه قد عوض في جانبه الواحد عن جوانب عدة في الآخرين؛ لأنه قد رزق الجندية في طرازها الأول، ورزق منها وحده ما يكفي عشرة من جنود التاريخ المبرزين.
الفصل الحادي عشر
نهاية من صنع القدر
قضى خالد بقية أيامه بعد عزله في مدينة حمص - زهاء سنوات أربع - لم يفارقها قليلا إلا ليعود إليها.
وعاش هناك بين أهله وولده وهم كثيرون.
وكأنما كانت للموت ضريبة مقضية على هذا القائد الكبير يطالبه بها في حربه وسلمه حيث كان. فمات من أولاده نحو أربعين في سنة الطاعون.
ولم ترو لنا كلمة قالها خالد في موت هؤلاء الأبناء الكثيرين، وهو الرجل الذي كان التبشير بغلام عنده فرحا من أكبر أفراح الحياة. فكأنما ألف وجه الموت لطول ما واجهه من قريب. فهو لا يلقاه أبدا لقاء غريب مريب ... •••
وتعقب الموت أبناءه الذين بقوا بعد الطاعون وأشهرهم المهاجر من حزب علي وعبد الرحمن من حزب معاوية ... فمات المهاجر في صفين ومات عبد الرحمن مسموما على ما قيل؛ لأنه رشح للخلافة قبل أن يرشح يزيد بن معاوية لولاية العهد فسقاه معاوية السم على يد الطبيب بن أثال ...
ناپیژندل شوی مخ