106

وما هي إلا فترة حتى انقرضت ذرية هذا القائد الكبير - صاحب الموت والقدر - فورث دورهم بالمدينة أحد أبناء أخيه.

وانتهت حياة خالد - رضي الله عنه - نهايتها العجيبة، بين سنة إحدى وعشرين واثنتين وعشرين.

والنهاية العجيبة لحياة مثله أن يموت على فراشه - كما قال - بعد أن شهد نيفا وخمسين زحفا في نجد والحجاز والعراق والشام، ولم يبق في جسمه مصح من كثرة الجراح.

وليس هذا كل ما في موته من «غير المألوف» أو غير المنظور، فإنه مات ولم يجاوز الخامسة والخمسين على أرجح تقدير. وليست هي بالسن التي تنتهي بها الحياة بغير مرض شديد، فإن كان قد ألم به مرض عارض غير مميت في جملة أطواره فلعله قد أتم ما بدأه الحزن على الأبناء، والفتور من الراحة، وذلك الاضطراب الذي كان يفزعه في نومه وينتقع منه لونه إذا غضب أو ثار.

ولم يوجد في بيته عند موته غير فرسه وغلامه وسلاح وقفه للجهاد في سبيل الله. فلما بلغ ذلك عمر قال: رحم الله أبا سليمان كان على غير ما ظنناه به ... ونكس مرارا وهو يسترجع كلما رفع رأسه، ثم قال: كان والله سدادا لنحور العدو ميمون النقيبة. •••

وقد كان حزن عمر عليه حزن قريب وحزن مسلم وحزن خليفة. قال لأمه: عزمت عليك ألا تبيتي حتى تسودي يديك من الخضاب.

واجتمع بنات عمه يبكين فقيل لعمر: «أرسل إليهن فانههن. فقال دعهن يبكين على أبي سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة. على مثل أبي سليمان تبكي البواكي.»

ولما سئل عمر أن يعهد بعد موته قال: لو أدركت أبا عبيدة بن الجراح ثم وليته ثم قدمت على ربي فقال لي: لم استخلفته على أمة محمد؟ لقلت: سمعت عبدك وخليلك يقول: لكل أمة أمين وإن أمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح، ولو أدركت خالدا ثم وليته ثم قدمت على ربي فقال لي: من استخلفت على أمة محمد؟ لقلت: سمعت عبدك وخليلك يقول لخالد: سيف من سيوف الله سله الله على المشركين ...

ولعمري، إن «سيف الله» قد استحق هذه التزكية وهو في الغمد كما استحقها وهو مشهور.

فليست سنوات العزلة بأخف السنوات وزنا في سيرة خالد بن الوليد.

ناپیژندل شوی مخ