ويتردد الملك بين حث بسمارك وتحذير المقربين إليه، وينظر الملك إلى الفريسة، ويخاف أن يمسكها، ويسأل وزيره بجد: «ألست ألمانيا أيضا؟» وتمر على بسمارك أويقات قنوط، ثم يكتب إلى رون قوله: «يخالجني شعور بأن الملك خسر قضيته ضد الثورة؛ وذلك لأن ثقة الملك تتجه إلى خصومه أكثر مما إلى خدمه، وليكن ما يريد الله، ولسنا نبالي بانقضاء عشرين سنة أو ثلاثين سنة بعد الآن من أجل أنفسنا، ولكن لا من أجل أبنائنا، ولا معدل عن ضياع اللعب بغير معجزة، وسيلقي المعاصرون والأعقاب تبعة ذلك علينا، وليكن ما يريد الله، والله يعلم عدد ما تعيشه بروسية من السنين، والله يعلم مقدار حزني إذا انقطعت حياة بروسية.» وهكذا يتكلم بسمارك عن كسب اللعب وخسره فلا يذكر اسم الله في غير ساعة العسرة.
وبسمارك حتى بعد أن أقنع الملك ولهلم والإمبراطور فرنسوا جوزيف بشهر الحرب لم يكن واثقا بمصير البلاد التي تفتح، وبسمارك قد يعن له، خلافا لنفسه، أن يعلن حربا «شرعية» فينقذ الدوكيتين في سبيل الجامعة الألمانية، وبسمارك الدبلمي لم يهدأ باله حتى بعد إطلاق القذيفة الأولى، فهو لم ينشب أن أرسل إلى رون مذكرة مستعجلة جاء فيها: «أليس من القليل جدا أن يكون ل «ف...» فرقتان؟ وتقع فرقنا في مصيدة فئران ما لم تسيطر مدفعيتنا على الساند المذكور آنفا، ولدينا كتائب احتياطية كثيرة في هولشتاين، فلم لا نستولي على الجزيرة ببأس؟ فالعفو منك لما أبديت من تلك الملاحظات حول أمور عسكرية.» وماذا يقول بسمارك لو أبدى رون له نصيحة سياسية؟ ولكن مسئولية بسمارك أعظم من مسئولية كل قائد ما دامت تلك الحرب وليدة خياله وما دام قد فرضها.
وتمضي ثلاثة أشهر فتفتح حصون دوبل عنوة، ويستولى على المنطقة الممتدة إلى ألسن، وتدعو لندن إلى مؤتمر وتعلن الهدنة، وينظر بسمارك إلى باريس على الدوام، ويعد نابليون الثالث بمبهم الكلام إذا لزمت فرنسة جانب السكون في الوقت الحاضر، والآن لا يستطيع أن يصنع شيئا غير مشاركة الآخرين في الدفاع عن قضية الدوك أوغوستنبرغ، ويبحث عن وثائق مصفرة؛ ليثبت تلك الدعوى المهمة، ويتذرع بحيل المحامين، ويحمل ذلك الدوك على منح بروسية من الضمانات والحقوق ما يصبح به عاطلا من السلطان من البداءة.
ويدب الخلاف في مؤتمر لندن فيدعو بسمارك ذلك الدوك إلى برلين ثانية، ويقابله حوالي منتصف الليل (لما في هذا من التلقين)، وذلك بعد أن قضى الدوك يومه مع الملك وولي العهد عن مكيدة حاكها بسمارك، وتعرض عليه مطاليب جديدة؛ أي يطلب منه ألا يكون بلده ملجأ للأحرار المشاغبين، والدوك كان قد وافق على جميع الشروط بلا تردد (ما دام السلطان همه الوحيد)، فيشعر الآن بأن وضعه تقوى بمقابلته ولهلم وفردريك، والدوك يبدي رأيه الشخصي للمرة الأولى، فيقول إن نصوص دستوره تقضي عليه بأن يرجع إلى نواب بلده في جميع تلك الشروط وينال موافقتهم عليها، وهل شرب هذا المجنون كثيرا من رحيق الشنبانية على مائدة الملك؟ ألا يعني وضعه شروطا حول ما وافق عليه تجريدا لما قبله من كل قيمة؟ ويفكر بسمارك في الأمر، وليكن ذلك البلد من أملاك بروسية إذن، فلم يعتم بسمارك أن أبدى مثل تلك البراعة في بيان زوال حقوق آل أوغوستنبرغ في ذلك، ومن المحتمل أن سر بسمارك بما يحف الموقف من سخرية؛ فقد كتب يقول: «كلما أوغلت في السياسة قل إيماني في حسابات الناس.»
ولا يدوم الشوط الثاني من الحرب سوى أسبوعين من شهر يوليو، فتنال الحليفتان نصرا حاسما، وتصبح الأملاك قبضتهما، وتحاران فيما تصنعان بها، ويعقد اجتماع في قصر شونبرن، ويجلس العاهلان وبسمارك ورشبرغ حول مائدة واحدة فرحين بما تم من نصر، وكان الملك ولهلم مضطرب الوجدان، وكان مثله، على ما يحتمل، أمر رشبرغ الذي كان سليم الطوية مستقيما تجاه تلك السياسة، وكان كل من فرنسوا جوزيف وبسمارك هادئ البال موطنا نفسه على خدع الآخر.
بسمارك :
يدعونا التاريخ إلى سياسة مشتركة، ونحسن إلى أنفسنا من الناحية الشرعية والناحية السياسية إذا تضافرنا وأدرنا دفة ألمانية؛ فهي تبقى قبضتنا ما بقينا مؤتلفين، ولو كان ما نلناه معا قد وقع في إيطالية بدلا مما في هولشتاين، فغدونا مسيطرين على لونباردية، ما خطر ببالي إقناع مليكي بأن تكون رغائبنا معارضة لرغائب حلفائنا.
فرنسوا جوزيف :
أتصير الدوكيتان ولايتين، أم يكون لبروسية فيهما بعض الحقوق؟.
كان سكوت، وكان صموت من الملك
ناپیژندل شوی مخ