141

بحر متوسط

البحر المتوسط: مصاير بحر

ژانرونه

فلم يلبث أن سعى في تعليم أولاده هذه المعرفة، وهو قد منحهم مثل الحرية التي كان يتمتع بها في حياته الحسية الوافرة، وهو، من نواح كثيرة، قد سبق قومه عدة قرون بعدا من التوحش والحماقة.

وقد حدث أدعى الأمور إلى الحيرة في عهده الطويل على البحر المتوسط، في رومة، ولا تجد لهذا المنظر مثيلا في التاريخ.

كان حسن الصلات بالبابا الذي بحث لنفسه عن ملجأ في ألمانية، ولم تقل عزة هذا العاهل الفرنجي بركعات ولا بإمساكه ركاب البابا، ولما ذهب إلى إيطالية ليقيم فيها «سلما رومانيا» على طريقة أغسطس لم يكن قاصدا أن يقوم بفتوح في بلاد البحر المتوسط؛ أي وراء بلد النورمان في الشمال، ويحل عيد الميلاد لسنة 800، فيود هذا الملك النصراني حضور القداس مع فرسانه في كنيسة القديس بطرس القديمة برومة، ويقيم البابا القداس، ويتظاهر بأنه مستغرق في صلاته عندما ركع الملك أمام الهيكل، ولا يعرف هل كان الملك يفكر في مخلصه أو في أعماله، ولكن الذي لا ريب فيه هو أنه لم يدر في خلده أمر المفاجأة التي كان البابا قد أعدها له.

والواقع أن البابا أخرج فجأة تاجا كان قد أعده سرا للوقت الملائم ووضعه على رأس الملك الراكع، وأن كتيبة من فرسان الرومان تقدمت في تلك الدقيقة وهتفت باللاتينية، أو الإيطالية، قائلة: «عاش إمبراطور الرومان، شارل أوغوست، المتوج من الرب!» وتضاف الموسيقى إلى المنظر، ويهتف الجمهور الهائج مسرورا مقدرا أن حادثا عظيما وقع على مرأى منه، ويبدو شارل الذي كان مجاوزا الستين من سنيه دهشا أسفا، ولكن مع تعذر الرفض، ثم يأتي البابا حركة لا تقاوم، وهي أنه ركع أمام الإمبراطور المتوج من قبله.

ويعود شارل إلى قصره صامتا ، وفي الغد يعلم شارل من بلاغ رسمي أن البابا «نقل إليه سلطة الإمبراطور الروماني وسلطة اليونان والفرنج ورفع الملك شارل إلى مرتبة الإمبراطور الثالث والستين من الإمبراطورية العالمية الرابعة.»

ويروي مترجم شارل المعاصر أن شارل ظهر غضبان حائرا معا، وشارل كان قد رأى في شبابه أباه بيبن يمسك حصان البابا من عنانه فيرسمه البابا ملكا، وشارل كان خاليا من كل طموح إمبراطوري فيتوج إمبراطورا بغتة، ويؤدي تتويجه القسري هذا إلى عدم تزوجه أميرة بزنطية. والواقع أن القسطنطينية عارضت في قرون بقاء رومة مركز العالم، والواقع أن وازن لقب رمزا في القرون الوسطى وكان أهم من عمل أحيانا، وبما أن شارل لم يكن فاتحا من الأساس، وبما أنه كان راغبا عن محاربة بزنطة، فإن رغائبه حول البحر المتوسط قد ربكت بتتويجه أكثر من أن تكون قد أنشطت.

وبهذا العمل الأخير تبعث الإمبراطورية الرومانية بعد ثلاثة قرون من انقراضها في سنة 476، وتعيش ألف سنة أخرى كرمز أجوف، وشارلمان وحده هو الذي لم يرغب في التاج، وأما ملوك ألمانية الذين خلفوه فقد جدوا في طلب التاج، في تراث قيصر، مضحين في سبيله بحياة الألوف من الناس وبمصالح ألمانية وبعقائدهم الشخصية، ويمكن أن يقال مع التوكيد إن شهرة قيصر لم تكن لتبدو عظيمة لولا حماقاتهم، والجرمان هم الذين أوجدوا هذا الصيت.

ويسافر ملوك الألمان بعد ذلك الحين في مواكب لا حد لها من خلال جبال الألب قائمين بحروب كثيرة في عشرات السنين، وذلك فتحا للنباردية قبل تتويجهم أو فتحا لإيطالية بعد تتويجهم، وهم لم يسيروا وضفاف نهر التيبر ليستولوا على رومة، بل ليتوجوا في كنيسة القديس بطرس كما توج شارلمان، وقد بلغ هذا المبدأ من قوة الإغراء ما انتفع معه نابليون، الذي كان يزدري كل رمز إلى الحسب، بالتاج اللنباردي ليمنح توليته سلطان قيصر كإمبراطور للفرنسيين.

وقد طبق البابا والإمبراطور صلات العصر الإقطاعية على سلطانهم الخاص كعلامة خارجية لنظامهم الشرعي. وكان الرجل الذي هو أقوى من في بلده، أو الفاتح الذي يأتي من الخارج ، إذا منح في ذلك العصر من هو دونه قطعة أرض، أي إذا ما أعاره إياها، حق لهذا الأخير أن يتمتع بها وأن يتركها لورثته، وذلك مع المحافظة على مصالح متبوعه دائما، وهكذا نال أبناء الأسر القديمة الفتيان في فرنكونية «بفارية»، كما في مقدونية سابقا، أرضين وقصورا وأعمالا رسمية؛ أي جعلا وحماية من الدولة، وذلك مع التزامهم بأن يدافعوا عن متبوعهم إذا ما هدد بالفتنة أو اختلاف الأحزاب، وهكذا ترى طغيان الحق الخاص على الحق العام في الدول الإقطاعية، ومما أدى إليه إحداث طبقة شرف شاملة لجميع أوروبة الغربية حتى الأزمنة الحديثة، رابطة للخدمة المسلحة وللتملك والأرض بشخص ولي الأمر، اتساع نطاق شبكة من الأموال الإقطاعية في البلاد خاصة بالأشراف من الفارس حتى الملك.

والملوك إذ يتركون الأرض الثابتة والمقسومة، والملوك إذ يصرحون بأنهم نالوا إقطاعاتهم من الله، يكونون قد قاموا بوثبة في الخواء؛ ولذا كان التتويج، الذي باغت البابا ليون به شارلمان، هدية طمع، وقد أحدث هذا التتويج سابقة حول تعذر قهر رومة، كما جعل الصراع ضد السلطة الزمنية أمرا مستمرا بحكم الضرورة.

ناپیژندل شوی مخ