132

بحر متوسط

البحر المتوسط: مصاير بحر

ژانرونه

الحاضرة في الغالب، لا من المسلولي الخصيتين، وكان من بينهم من بلغوا الغاية من الرقي كنرسيس الذي عد أعظم قواد القرون الوسطى فغلب القوط ابنا للخامسة والسبعين، غير أنك لا تجد من الخصيان من استطاع أن يصير إمبراطورا، وقد أصبح حفظ التوازن بين السلطان والإيمان هدف السياسة الداخلية الأساسي مع الزمن، فحل الشكل محل الروح في نهاية الأمر.

وكتب شاهد عيان يقول عن مجمع نيقية الديني: «كان يمكن المرء أن يرى أمامه صورة عن مملكة يسوع الإلهية، ولم يبد هذا حقيقة، بل كان حلما رائعا.» وبهذا يفسر سبب كون الأبدان في الفن البزنطي مستورة تماما على بعض الفسيفساء، حتى إن أرجل الأباطرة وأزواجهم كانت مغطاة بالديباج فلا ترى، وكانت تغطي رءوسهم برانس كبيرة بدلا من التيجان المكشوفة، وكان لا يبدو من تلك الوجوه المتكرشة غير قسم قليل، وكانوا من الدنو من يسوع الجالس على العرش فوقهم ما تكاد قدماه تمسان معه صدورهم، وهكذا تبصر الحركة والعرية والجانبية مجهولة في الفن البزنطي، ويوجد على تصاوير صغيرة وزراء جالسون على نوع من العرش لابسون ديباجا رائعا مزخرفا برءوس أسود، وينظر هؤلاء إلى كتاب القداس الذي يقدمه إليهم صبي من الجوقة مملوئين عنجهية. وفي ذلك العهد، وفي الشمال، تبصر الإمبراطور الآخر، تبصر هنري الثاني الألماني، قد صور هو وزوجه على رافدة وراء مذبح في بال فيبدوان من التحدب والصغر ما تظهر رجل يسوع معه أكبر من كل من الوجهين، ويلبس كل منهما تاجا على رأسه مع ذلك.

وكان يعرب عن زعم الإمبراطورية النصرانية الأولى بالعزة التي لا تكون إلا بقوة التقاليد المتأصلة، وكان الإمبراطور الرصين، حينما يقوم بصلوات المساء، يتنور بروحه صورة ألوف الجنود على الدانوب والنيل والفرات وهم يعلقون شموعا على رءوس حرابهم قبل المعركة ويشعلونها منشدين عين النشيد النمطي الذي ينشده في رواق قصره في الوقت نفسه، وتزيد عبادة الشكل شيئا فشيئا، وتبلغ شهرة هذا البلاط الفخم ما وراء البحر، ويقع ما لا يصدق، يحدث خضوع قبيلة روسية للبزنطيين؛ لأن الإمبراطور أكرم سفراء هذه القبيلة بأن أقام لهم قداسا احتفاليا ذا تلحين في أيا صوفية، وكان كتاب الطقوس ينص على قتل كل من يسقط طبقا في وليمة بالبلاط، وعلى ذهاب بصر من يكون شاهد هذه الحماقة.

ومن الطبيعي أن نشأت مدرسة كبيرة للدبلميين

29

نتيجة لملاحظة أدق الحركات والسكنات فنجم عنها حذق الفنيسيين والعرب السياسي، وكان يعلم شباب الموظفين روح الأمم الأجنبية، ولا سيما البرابرة، ويذيع في العالم بأسره صيت الأطوار الصالحة التي هي جزء من تربيتهم، والحق أن الوقار والاتزان والأنس فضائل نعزوها إلى الشرق على العموم مع أن بزنطة كانت تمارسها على حدود أوروبة، وكان مثل الكمال يتجلى في الرجل الذي لا يتخطى غيره والذي يظهر الإعجاب بكل غريب والذي تظهر رزانته بنظره ووضعه أكثر مما بكلماته، وكان ذلك الكمال يتجلى في التسامح المزعوم أيضا، فقد أنشئت مساجد عربية للأسرى، وقد أعيد إلى أمير أقريطشي بلده وقصره بعد أن أخزي. وكان من تربية البلاط أن تقام ألعاب عسكرية يمتاز الإمبراطور في أثنائها، وكان من تلك الدروس أن يراسل فلاسفة في الخارج مراسلة أدبية، وتصف بنت كومنين الأول عهد أبيها بأسلوب جميل، وبينما كان النصارى يحرقون في الإسكندرية امرأة من أكثر نساء المجمع العلمي ثقافة كانت بزنطة تمن على المفكرين والشعراء بالنعم ما أطاعوا القانون الأعظم.

وكان منظر عظمة العاهل يتطلب حضارا، وكان أحسن الفرص لذلك يتجلى في حفلات التتويج ومواكب النصر، وكانت هذه المظاهر تدوم عدة أسابيع فيرسل مفوضو البلدان الأجنبية تقارير إعجاب إلى أوطانهم، ولم يكن الثراء والأبهة وحدهما هما اللذان يثيران العجب، بل كان يثيره وقار الأطوار أيضا، أي هذا الأمر الذي لم يبلغ من العظمة عند أمة بلوغه عند هؤلاء القوم. وفي بزنطة استبدل شخوص الإمبراطور بما كان يقع من تأليه في طيبة القديمة، حيث كان الفراعنة يجوبون الشوارع حاملين سمات الإلهين: النيل والشمس، وبحماقات سكارى الانتقام والشهوات من القياصرة، ولا شيء في الغرب كان يمكن قياسه بتلك الطقوس خلا ما كان من الرسميات في البلاط الإسباني ومن حفلات تتويج الرؤساء في البندقية على ما يحتمل.

وتبصر بين صوت الأبواق، الذي يقطعه ترتيل القساوسة باستمرار، كتيبة رائعة مؤلفة من ألف فارس نازلة تحت شمس الظهر إلى الشارع الساحلي الكبير، وتبصر حصنهم مستورة بأغطية طويلة من ديباج، وتبصرها ذات متدليات درية مع زخارف على الرأس والصدر، وتسطع قواري

30

الحرس وأحذية الفرسان بما تحتويه من الحجارة الثمينة، وترى دروع ذهبية وخناجر فارسية قديمة، وتشاهد النساء الموكب جالسات في محامل جميلة على حين تبصر قوارب محدبة ذات ديباج متموج تأتي بأعضاء السنات وبالحكام إلى الشاطئ، ويتقدم الجميع موزون الخطا كما يرى على الفسيفساء الذهبية، وترى رجالا ونساء لابسين تيجانا مرصعة بالحجارة الكريمة وثيابا ذات أكمام طويلة مشابهة للأجنحة وساترة لأيديهم تقريبا، وها هو ذا البطرك يتبعه مئات من القسوس الحاملين شموعا متقدة على الرغم من الشمس، ويرن الأرغن وينتشر البخور في كل مكان، ويساعد البطرك الإمبراطور فيستبدل التاج بالإكليل والسيف بالصليب ويمتقع الأسارى المركومون فزعا، وتعرض على ظهور الجمال التي تمشي مشيا وئيدا خيام غنمت من العدو، ويحمل واليان إكليلي زهر ويقدمانهما إلى الإمبراطور فيمد ذراعيه، وتجد في الوقت نفسه أشراف الأسرى جالسين مجرورين إلى أسفل الصليب المنصوب قريبا من الإمبراطور، ويسجد أعلى الأسارى مرتبة ويضع رأسه الحليق تحت حذاء قاهره الأرجواني، ويرفع هذا الغالب عينيه إلى السماء ليكون نسب بين النصر والرب معبر عنه بثلاثة رموز: بالرقبة والحذاء والنظر، ويجعل أمير الإصطبل رمحه على قفا الأسير، ويسجد الأسرى الآخرون كلهم وتطرح الأسلحة التي كانوا يحملونها قبل التسليم على الأرض ، وتصحب ذلك كله أناشيد دينية، ويخفي الحضور وجوههم خلف أكمامهم كما لو كانوا أمام الرب وينطق البطرك بأدعيته، ويرفع الإمبراطور رجله وينهض جميع الأسرى ويرجعون القهقرى، وفي الغد يأتي الإمبراطور إلى الميدان راكبا عربته التي يجرها أربعة جياد، وتتقدمها عربة أخرى يجرها أربعة جياد أخر سائرة بصورة العذراء، ويلقى إلى الجمهور ألف قرص من الخبز مشتمل على قطعة من النقود الذهبية، ولا ينبغي إنفاق هذه القطعة حتى عند أشد درجات الفاقة، وتتفجر ينابيع من الخمر حول القصر، ويظهر الأسرى، الذين حرروا أمس، جالسين على مقاعد بين الجمهور مراهنين على أفراس وفرسان، ويجب أن تكون جميع ثياب الطبقة الأريستوقراطية وجميع هدايا الإمبراطور من الإبريز،

ناپیژندل شوی مخ