قد ثبت بالعقل والسمع أن الله تعالى عادل حكيم أما العقل: فلأن الأفعال المحكمة قد وجدت منه تعالى قطعا، ولا يحكمها قطعا إلا حكيم، ووجدت أيضا على وجه العدل، لأن العاقل إذا نظر أدنى نظر في التكاليف التي أوجب عقله عليه تأديتها شكرا لله تعالى على نعمه عليه وجد الله تعالى أوجبها على حسب ما أوجد في المكلف من القدرة والعقل، ولم يكلف تعالى ما لا يطاق ولا ما فيه جور وهذا حقيقة العدل والإنصاف، وكذلك الآلام والنقائص فيها من الأعواض والاستحقاق فتجلب النفع وترفع الضرر ما يخرجها عن الجور والظلم والكراهة والإباحة ويسير فعلها أحسن من تركها؛ وذلك معلوم للعاقل بأدنى نظر لمن ترك المكابرة لله تعالى والمعاندة، إذا تقرر ذلك وجب على أهل العقول الكاملة أن يعتقدوا أن الله تعالى عدل حكيم، وأن أفعاله كلها حكمة وإحكام وذلك ظاهر فيها، وما لم تشاهد بعقلك أحكامه وحكمته ومصلحته وجب عليك أن تعتقد أن فيه حكمة وإحكام ومصلحة؛ لأن الحكيم في الشاهد العقل لا يتهم في أفعاله مهما كان حكيما، والله تعالى أحكم الحكماء وأعلم العلماء [6ب] فلا يتهم في شيء من أفعاله خلاف الحكمة والإحكام والمصلحة ولم يقر بعدل الله تعالى من نسب إليه خلاف الحكمة والإحكام، ولذلك قال أمير المؤمنين علي -عليه السلام: العدل أن لا يتهمه. وقد أخبر تعالى أنه أحكم جميع مخلوقاته، وقال تعالى في ذلك: [ ] {صنع الله الذي أتقن كل شيء} أي: أحكم كل شيء من مخلوقاته -تبارك وتعالى- وقال تعالى: [ ] {ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت} يعني تعالى: أن كل أفعاله ليس فيها مفاوتة في الحكمة، بل كلها حكمة أي: فيها مصلحة محكمة في ترتيبها وتأليفها، ثم ما نقل في باب العدل.
فصل في قدر الله سبحانه وتعالى
وذكر قدره الله في كتابه، وأخبر -سبحانه- أن قدره -سبحانه- جميع أفعاله فقال تعالى في ذلك: [ ]{ إنا كل شيء خلقناه بقدر} يقول -سبحانه- كل مخلوق لنا فهو بقدر منا يعني بحكمة وعدل وابتداع من العدم لا يقدر على فعلنا غيرنا، وقال تعالى في ذلك: [ ] {وكان أمر الله قدرا مقدورا} يقول سبحانه حتما محتوما لا يقدر أحد على رد أمرنا فيما أردنا أن نفعله ونقهر العباد عليه من الموت والحياة والزيادة في خلقهم ونقصه وعقولهم وألوانهم وإفقارهم وإغنائهم، يخلق الأرزاق في مواضعها وعلمه بها، قال تعالى في ذلك: [ ] {وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه} وقال تعالى: [ ] {ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها} يقول سبحانه: [ ]"من قللت عليه الرزق مع سعته في كسبه من الحلال فلينفق مما أعطيته في الواجب إلى أينما بلغ رزقي له وليس عليه غير ذلك"(1).
مخ ۲۳