بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المؤلف
وبه أستعين وصلى الله على سيدنا محمد الصادق الأمين، وعلى آله المنتخبين أما بعد:
مخ ۱
فإني لما رأيت في زماننا هذا من كثرة التقليد لغير محكم كتاب الله الحميد، وما حده وبينه على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من القول السديد، ورأيت كثيرا منهم قد شغفوا بما وضعه كثيرا من الشيوخ من الحقائق والحدود، والمقدمات والنتائج، ورأيت أن الخبر عند كثيرا من الأصحاب من فهم تلك الحقائق والنتائج والحدود، ولو لم يكن عنده من معرفة كتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وما يوجد منها من الأصول والفروع شتى، ورأيت كثيرا من الناس قد ركبوا متن العمى، واجتنبوا كثيرا من العلماء السابقين والمقتصدين من أهل بيت نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم الذين جعلهم الله حججا عليهم، ففرقوا بينهم بغير دليل قطعي قاطع، ولا ظني نافع، حتى أن كثيرا منهم لا يستجيزون الصلاة خلف كثير من علماء أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيتهمونهم في الإمامة الصغرى فضلا عن الإمامة الكبرى، ويظنون بهم ظن السوء المحرم، ولم يشعروا أنهم قد خالفوا الله تعالى ورسوله المكرم حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم في أهل بيته وعترته وذريته [ ]((قدموهم ولا تتقدموهم، وتعلموا منهم ولا تعلموهم، ولا تخالفوهم فتظلوا ولا تشتموهم فتكفروا))(1) ثم ترى كثيرا منهم يتباهون بعضهم بعضا في التقدمة للصلاة مع حضور أولي العلم والعمل من أهل البيت عليهم السلام الآخذين "ما فعلوا عن آية محكمة أو سنة قائمة، ثم يظنون ظنا منهم أن أهل بيت رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أهل العلم مختلفون أخذا من أولئك الشيع بروايات العوام فيهلكون أنفسهم ويخالفون ما بنى الله عليه من أساس دينهم من أن مقرونه نجاتهم ومعقوده بمودته من أهل البيت -عليهم السلام -والمودة: المحبة، والمحب لهم المود لهم هو المتبع لهم، والمتبع لهم هو من لم يتقدم عليهم في صلاة مع حضورهم ولا في غيرها من الخصال الشريفة، آلا ترى أن الله تعالى يقول في المدعي للمحبة [1ب]له تعالى من غير اتباع ما شرع تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم [ ]{قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}[آل عمران:31] فأخبر تعالى أن من لم يتبع نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فليس بمحب ولا مود له تعالى، كذلك من قال أنه محب لأهل البيت -عليهم السلام- مود لهم ولم يتبعهم فليس بمود ولا محب، بل هو أعظم جرما ممن أظهر عداوتهم لتدليسه وآرائه للناس أن المحسن منهم مسيئ وأن العالم العامل جاهل فينفر ويثبط من ليس من أهل المعرفة عن إتباع الهداة في الخلق وحجج الله فيهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا قوة إلا بالله العلي العظيم .
مخ ۳
أحببت(1) أن أضع في معرفة الله تعالى وما يلحق بها أبوابا ملقوطة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم لينتفع بها المسترشدون من غير تقليد، ومن الله تعالى استمد التوفيق والتسديد.
وصلى الله على البدر التمام، ومن هو للأنبياء ختام محمد وعلى آله البررة الكرام
[ باب في توحيد الله وعدله وصدق وعده ووعيده ]
وذكر عدله وصدق وعده ووعيده، والنص على التوحيد والعدل وصدق الوعد والوعيد في سورة {قل هو الله أحد}[الصمد:1] وفي غيرها .
والنص على إرسال الرسل والأوصياء ونصب الأئمة وكون علماء أهل البيت- عليهم السلام -حجة على جميع المكلفين بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غير سورة {قل هو الله أحد}[الصمد:1] وفيها إشارة إلى ذلك
[
مخ ۴
بسم الله الرحمن الرحيم {قل هو الله أحد} أي :الله الواحد وجوده، الذي ليس لأزليته حد فيه (أحد)، المنفرد بصفات الكمال، ليس معه إله يشاركه، وليس إله غيره؛ وإنما وضعنا هذا الكتاب في أصول الدين من القرآن لأن القرآن دليل على خالقه تعالى كالسماء والأرض وما بينهما؛ لأنه كلام لا يقدر عليه جميع المخلوقين، ولا بد لكل كلام من متكلم يحدثه إذ لا تأثير للعدم وإلا لو كان للعدم تأثير لكان الكلام موجودا حدوثه في كل وقت، فلما علم عجز المخلوقين عن التكلم بمثله، وثبت أنه لا تأثير للعدم عند جميع العقلاء علمنا أنه لا بد للقرآن من محدث غير المخلوقين وغير العدم؛ وليس غيرهما إلا الله تعالى فصح الاستدلال بالقرآن على وجود الله تعالى [2أ] كدلالة غيره، وإذا صح وجب وجاز أن يعرف الله تعالى، ويوصف ويسمى بما سمي ووصف نفسه به في القرآن {الله الصمد} أي: السيد المصمود المقصود لكل حاجة دينيه ودنياوية فيدخل في ذلك جميع ما يحتاج إليه العالم المكلفون من تفضيل الشكر الذي قضى بوجوبه عليهم عقولهم، فيدخل في ذلك -أي في قضاء حوائجهم- إرسال الرسل والأنبياء- صلوات الله عليهم- وتعيين الأوصياء من بعدهم، والأئمة ومنصبهم وصفاتهم من يعين باسمه سيما وصي نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة بعده، ومن هو من الخلق حجة وعلامة للنجاة إلى آخر التكليف بعده صلى الله عليه وآله وسلم لأنه لا نبي بعده يوحى إليه بشريعة جديدة.
مخ ۵
[أدلة تعيين الله تعالى علي (ع) وصيا لرسوله (ص)]
مخ ۶
وقد عين الله تعالى وصيه صلى الله عليه وآله وسلم وهو علي بن أبي طالب سيد الأوصياء- عليه السلام- عينه الله تعالى وصيا لرسوله- صلى الله عليه وآله سلم- بالنصوص الجلية في مواقف كثيرة منها: يوم غدير خم(1) وغيره مما اتفق عليه جميع الأمة(2)، وعينه تعالى بآية الولاية(3)، فكل آية مدح المؤمنين في كتاب الله تعالى فعلي عليه السلام سائقها وقائدها(4) صلى الله عليه وسلم وكذلك فقد عين الله تعالى بعد رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ووصيه عليه السلام على لسان رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالنص الجلي الذي لم يختلف فيه اثنان إمامة الحسن والحسين وشهد لهما بالعصمة(5)، وكذلك قد عين الله تعالى الإمامة بالنص الجلي الذي لم يختلف في صحته عالمان في من لم يصر على كبيرة مع كمال ما تحتاج إليه الإمامة من أصول الدين وفروعه من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعين تعالى من ختم به الأئمة باسمه المهدي -رضي الله عنه- وشهد تعالى لكل من أولئك على الجملة ولجماعة أهل البيت -عليهم السلام- بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهل كل عصر منهم على التحقيق بالعصمة في إجماعهم والصلاحية، وأن المتمسك بعلمائهم ناج ولو لم يتطهروا بالإمامة بكفاية من يكفي منهم أو لعذر مانع لا يعاقبون على ترك إظهارها معه، كعدم الناصر وقوة الظلمة، وفي ذلك يقول الله تعالى [ ]{إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}[الأحزاب:33] وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:[ ] ((أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى)) (1) فالحمد لله الذي جعلنا من علمائهم، والسائرين بسيرة أخيارهم -صلوات الله على أئمتهم وعليهم.
مخ ۷
{لم يلد} أي: ليس أحد ولدا له تعالى، لأن الولد من جنس الوالد والله وتعالى[2ب] فلا جنس له، إذ ليس يماثل تعالى الأشياء التي هي غيره من المخلوقين؛ إذ لو ماثلها تعالى لكان لازما له تعالى ما لزمها من الحدث، وكان لا ينفك عن ملازمة شئ من الأعراض التي نشاهد أن الأجسام ملازمة لها، والأعراض فهي محدثة بتيقن المشاهدة لأنا رأيناها توجد وتعدم ولا يخلى الجسم عنها كلها، وما وجد بعد عدم كالحركة توجد بعد السكون والسكون بعدها، ولا يرتفعان جميعا عن الجسم، وكذلك الصحة والسقم، والموت والحياة بالروح والألوان لا ترتفع كلها ولا تلازم الجسم في كل وقت كلها، بل يحدث ويزول ولا ينفك الجسم عنها كلها، وما اقترن بالمحدث ولم يتخلف عنه؛ فهو محدث مثله عند جميع العقلاء؛ فلو أن الله تعالى أشبه الأجسام أو الأعراض لجاز ووجب عليه ما جاز ووجب عليها فيما ذكرنا لك ولكان محدثا مثلها، وقد ثبت بالدلالات القاطعة والمشاهدات الحسية أنها لا تحدث جميعها بنفسها؛ لأن أصلها عدم، والعدم لا تأثير له في شئ ولا يقدر على إحداث مثلها ولا تبدل ألوانها؛ فلو كان الله تعالى مماثلا لها في جسميتها أو عرضيتها لاحتاج إلى محدث كما احتاجت ولكان للمخلوقين محدث غيره؛ لأنه إذا كان تعالى مثلها عجز كما عجزت فثبت بما تقرر في العقل، والسمع أن الله تعالى لا يشبه الأشياء؛ فليس تعالى بجسم ولا عرض، بل هو شئ لا يشبه الأشياء.
مخ ۸
[الدليل على وجود الله] وقد دل على أنه تعالى موجود حي عالم قادر قوي سميع بصير حكيم مدبر عليم: العقل؛ لأنه لا بد لكل فعل محكم من فاعل مختار حي عالم قادر قوي سميع بصير حكيم عليم؛ إذ لا تأثير للعدم ولا للميت ولا للحي العاجز ولا تأثير في الإحكام لغير العالم، وقد وجدنا بالمشاهدة أن أفعال الله تعالى موجودة في غاية الإحكام؛ الزائد على كل صناعة من صناعة غيره تعالى المشاهدة، وعرفنا بطريق المشاهدة أن الجاهل القادر غير السميع البصير الحكيم المدبر العليم لا تصدر عنه من فعله الأشياء المصنوعة المحكمة، وثبت بالسمع وهو دليل على الله تعالى قاطع أن الله تعالى لا يشبه الأشياء، وأنه شيء موجود حي.
وذلك قوله تعالى [ ] {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير}[الشورى:11] أي : ليس مثله تعالى شئ من الأجسام والأعراض، و(الكاف) صلة تزيدها العرب في لغتها؛ والقرآن نزل باللغة العربية، وعند بعض العلماء أن (الكاف) كناية وهو حسن، وهو (السميع العليم) بجميع الأشياء (البصير) أي: العليم الحكيم بجميع ما خلق؛ فلا يعسر عليه شئ من أمورهم ولا يعييه شئ، ولا يلتبس عليه ما يلتبس على المخلوق الضعيف وقال تعالى مخبرا من أنه شئ موجود[ ]{قل أي شيء أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم}[الأنعام:19] فسمى تعالى [3أ] نفسه شيئا وسمى، نفسه شهيدا حاضرا حضور مشاهدة، عالم لكل ما يصدر من القوم من تكذيب رسوله -صلى الله عليه سلم.
مخ ۹
{ولم يولد} أي : ليس بمولود؛ لأنه تعالى قديم والمولود محدث والولد هو ما خلقه الله تعالى من وأمه وأبيه أو خلقه الله تعالى من أمه فحسب كعيسى -عليه السلام -وفصل من أصل، ووجد بعد عدم، والله تعالى ليس بمخلوق ولا معدوم ولا منفصل من أصل؛ لأن الأصل جنس للفرع، وقد ثبت بالعقل والسمع أن الله تعالى لا جنس له.
مخ ۱۰
{يكن له كفوا أحد} أي: ليس له من يصح أن يكافئه أي: يماثله في ذات أو صفات أو فعل أو وجود؛ فوجوده تعالى لا حد له فلا يصح أن يكون معدوما بخلاف العالم، ووجوده تعالى واجب بخلاف العالم فإنشاؤه له تعالى من العدم تفضل جائز له تعالى غير واجب عليه، وذاته تعالى ليست بجسم ولا عرض بخلاف العالم فإنهم أجسام وأعراض ملازمة للذات، وصفاته تعالى من كونه تعالى حيا عالما قادرا: صفات ذات ليست بشيء زائد على الذات، صفاته تعالى ذاته، وأفعاله تعالى مخترعة من العدم بيسر من غير نية ولا ضمير ولا مزاولة، بل بإرادته ومشيئته تعالى وهما قصده تعالى إيجاد الشيء على حسب ما يريد تعالى ويعلم من الحكمة، وقصده تعالى للشيء وإرادته له ومشيئته فهو إيجاده إياه على علم به منه تعالى وأنه سيوجده في أي وقت، وذلك العلم ليس بأمر زائد على ذاته تعالى ولا يعلم محدث متجدد له تعالى من قبل أن يكون لما في القول بذلك من الكفر والإلحاد والنسبة له تعالى إلى ما لا يجوز من صفات البشر الضعيف -تعالى الله عما تقوله المبطلة من الإفراط والتجاوز لحدود العقل والسمع، (فما قدر والله حق قدره قاتلهم الله أنى يؤفكون)، إذ يلزمهم حيث قالوا: إن الله تعالى أراده ومشيئة هي غير المراد المعقول، وعلما متجدد أن عند أحداث المحدث أن يصفوا الله تعالى بالجهل قبل ذلك؛ وإذا ثبت أن الله تعالى لا يماثل الأشياء بدليل العقل والسمع وتقررت هذه الفروق بينه وبينها فقد ثبت من جميع العالم الخطأ والنسيان؛ فالله تعالى لا يخطئ ولا ينسى، وقد ثبت في كثير من العالم إخلاف الوعد والوعيد للبدا والأعذار والجهل بمصادر الأمور، فالله تعالى لا يخلف الوعد بالثواب لمن يستحقه بعلمه وصبره، والعوض على الآلام والمصائب، والوعيد بالنار لمن يستحقه من العصاة، لأنه تعالى لا يجهل مصادر الأمور، بل هو عالم بجميع الأشياء ولا يجوز عليه تعالى البدا لأنه -تعالى- عالم ولا يجوز عليه -تعالى- الإعذار فيما يريده -تعالى- أن يفعله -تعالى؛ لأن العذر [3ب] إما لعجز أو جهل، والله تعالى ليس بعاجز ولا جاهل فلا يجوز عليه العذر، وإذا ثبت الثواب والعقاب والعوض، فليس موضع ذلك في الدنيا، وجب في الحكمة البعث للموتى أو الإحياء لجميع أهل الأرواح، وقد دل على ذلك العقل والسمع والله تعالى لا يخلف ما قال من الوعد والوعيد وغيرهما.
مخ ۱۱
أما العقل فإن إيصال الآلام إلى أهل الأرواح بغير عوض ولا استحقاق ولا دفع ضرر ولا جلب نفع قبيح عقلا، والله تعالى لا يفعل القبيح لأنه تعالى عالم بقبحه غني عن فعله عالم باستغنائه عنه، ومن كان كذلك من العقلاء فإنه لا يفعل القبيح وما يذمه جميع العقلاء إذا كان بهذه المثابة فضلا عن الله تعالى الذي قد ثبت عند جميع العقلاء بما ركب الله تعالى فيهم من العقل، وبالأدلة القاطعة أن أفعاله تعالى جارية منه تعالى على أحسن الأحوال وأرجحها، فلا يفعل تعالى المباح الذي لا فرق بين فعله وتركه -أي: لا حكمة في إيجاده- فكيف يقال أن الله تعالى يفعل القبيح أو المكروه تعالى ربنا عن قول أهل الزور والبهتان والكفران علوا كبيرا، فثبت أن الله تعالى يبعث العالم للجزاء والأعواض التي لا يجوز الإخلال بها من جهة الحكمة العقلية والسمعية، وذلك لأن: الموت منسي كل نعمة ومتمم كل نقمة فلا عوض فيه ولا ثواب على الصبر عليه إلا في الآخرة، فلو لم يبعث الله تعالى للجزاء عليه لكان الإيلام به من لا يستحق الإيلام قبيحا، والله يتعالى عن فعل القبيح بل هو غني حميد، وكذلك فإن التخلية بين الظالم والمظلوم في الدنيا لم يتيقن المناصفة فيها إلا في الآخرة، فلا بد من البعث لأجل ذلك وإلا لكان إهمالها قبحا والله تعالى لا يفعله.
مخ ۱۲
والسمع قد دل الله تعالى فيه بأدلة قاطعة مقررة لما أثبته العقل فمن ذلك قوله تعالى مخبرا:[] {وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون}[الأنعام:38] فأخبر تعالى أنهم يحشرون إليه -أي:يبعثون إليه ليجازيهم- دل تعالى بذلك على أنه تعالى يبعث جميع أهل الأرواح، وقال تعالى: [ ] {ما فرطنا في الكتاب من شيء}[الأنعام:38] من ذكر ما يحتاج إليه العالم في الدين والدنيا والبعث والجزاء وغير هذه من الآيات التي أمر فيها تعالى العقلاء من جهة العقل أنهم إذا نظروا بعقولهم فيها وجدوا البعث واجبا في الحكمة والابتداء تفضلا، وأن البعث في المشاهدة لأعمالنا لما كان تأليف الموجود وإحياؤه أيسر من ابتداء المعدوم [4أ] وإنشائه في الشاهد، قال تعالى في ذلك [ ] {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه}[الروم:27] أي :إعادته له -سبحانه وتعالى، وكذلك من قوله تعالى: {ولم يكن له كفوا أحد} لا يجوز أن يجعل له تعالى من الأسماء ما لا يضعه له تعالى من الأسماء الذاتيه ولا يشتق له تعالى اسم من غير فعل هو له تعالى حقيقة ولا نطلق عليه من الأسماء المجازية إلا ما سمى به نفسه تعالى فمن لم يتوقف على ذلك كذلك فقد جعل لله تعالى كفوا في أسمائه تعالى، وقد قال تعالى: {ولم يكن له كفوا أحد} وكذلك يجب أن تكون أفعاله تعالى جارية على مقتضى العدل، والعدل هو وضع كل شئ في محله من غير خلطه بظلم ولا جور، والجور هو تكليف ما لا يطاق، والعقاب على غير فعل الفاعل؛ فلو جاز ذلك لكان لله تعالى كفوا؛ وقد قال تعالى: {ولم يكن له كفوا أحد}.
(تم ما أردنا إيضاحه) في توحيد الله تعالى وعدله وصدق وعده ووعيده، وبعثة الرسل والأنبياء، ونصب الأوصياء والأئمة، وكون أهل البيت عليهم السلام حجة على غيرهم من الأمة إلى آخر التكليف، وتبيين جميع ذلك وإيضاحه في كتاب الله تعالى وسنة رسوله-صلى الله عليه وآله وسلم - تكملة هذا الكتاب.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه أستعين، وصلى الله على سيد الرسل وسيد الأولين والآخرين محمد المصطفى وآله الطاهرين المطهرين.
[ باب في عدل الله تعالى ]
العدل: هو وضع كل شئ في موضعه على سبيل الحكمة هذه حقيقته في حق الله تعالى دليل كونه كذلك في حق الله تعالى: العقل والسمع:
أما العقل: فإن العدل الجاري على وجه الحكمة حسن عقلا وخلافه قبح عقلا، والله -سبحانه وتعالى- قد ثبت من أفعاله ما لا يحصى عددا، وهو تعالى عالم بقبح القبيح غني عن فعله عالم باستغنائه عنه؛ ومن كان بهذه المنزلة من العقلاء فإنه لا يفعل القبيح؛ لأنه لا حكمة فيه ولا مراد والحال هكذا، فإذا كان كذلك فالله سبحانه لا يفعله لأنه تعالى أعلم العلماء وأحكم الحكماء.
مخ ۱۴
وأما السمع: فآيات كثيرة منها: قوله تعالى: [ ] {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما}[النساء:40][4ب] وذلك أن الظلم وهو الحكم على المظلوم بما لا يستحق قبح فانظر كيف نزه نفسه تعالى عن مثقال أصغر ما يرى من الأجسام منه وهي الذرة الحيوان، والذرة القطعة اليسيرة من التراب؛ وأخبر تعالى بأن عطف تعالى بقوله {وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت} أي: عليها {من لدنه أجرا عظيما} يعني تعالى وإن تك مثقال الذرة المذكورة حسنة أي: من الأفعال الحسنة بأن تكون من واجب أو مسنون أو ترك محظور تشتهيه الأنفس وتميل إليه، والمكلف يقدر عليه نعم وكانت الحسنة سليمة مما يحبطها من الإصرار على الكبائر بعد فعلها كالرياء، والسمعة صادرة مع الإيمان الصحيح، والتقوى والوفاء بأجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو مودته صلى الله عليه وآله وسلم ومودة أهل بيته وذريته وعترته -عليه وعليهم أفضل السلام- بالاتباع والتأسي واعتقاد ولاية العالم المؤمن منهم، وإمامته ظاهره وباطنه لأن العهد من الله تعالى وهو توليته له تعالى وجعله للناس إماما قد ناله بإيمانه وعلمه، قال تعالى في ذلك كذلك لإبراهيم عليه السلام [ ] {إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين}[البقرة:124] فقد ناله بصريح الآية؛ وإنما كان ذلك شرطا في قبول الحسنة ومضاعفة أجرها لقوله تعالى [ ] {إنما يتقبل الله من المتقين}[المائدة:27] وإنما كان قبولها مشروطا بتأدية مودة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته وذريته -عليهم السلام- لأنه لا يقبل عمل ولا يكون العبد متقيا مؤمنا إلا بذلك، وذلك -أعني مودته ومودتهم عليه وعليهم السلام- قد علمت من ضرورة الدين ولقوله -صلى الله عليه وآله وسلم:[ ] ((أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى))(1) وغير ذلك من الآيات والأحاديث. وغير المتبع فليس بمحب لقوله تعالى [ ] {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}[آل عمران:31] وغير المحب فلم يؤد المحبة التي هي المودة ومن لم يؤد المحبة التي هي الإتباع للمحسن منهم والتجاوز عن مسيئهم ولا ينسب إلى أحد منهم الإساءة التي توجب التبري في حق كلمه إلا بدليل قاطع فليس ذلك بمؤمن ولا متقيا لأنه إذا لم يؤد أجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو جائز لسيد البشر -صلى الله عليه وآله وسلم- غير متبع له، ومن لم يتبعه صلى الله عليه وآله وسلم فليس بمحبوب لله تعالى، ومن لم يتبع فليس بمحب لأن الله جعل الإتباع دليلا على المحبة بقوله تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}[آل عمران:31] ومن لم يتبع لم يركب في السفينة التي كسفينة نوح، ومن لم يكن راكبا فيها فهو غارق هالك، والهالك فليس بمؤمن ولا متق.
قوله تعالى: [ ]{ يضاعفها} أي: أضعافا كثيرة لا انقطاع لها، وقد قال تعالى في آية: [ ] {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها}[الأنعام:160] وقال تعالى في آية أخرى: [ ] {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة}[البقرة:261] وقال تعالى في آية أخرى: [ ] {ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل}[البقرة:265] دلت هذه الآية على أن العمل ثوابه بحسب الموقع؛ فأهل الإخلاص الكثير من غير شائبة مع النية الصالحة لقوله تعالى: [ ]{ ابتغاء مرضاة الله وتثبيتا من أنفسهم} ومشقة العمل كالجهاد والإنفاق فيه وطلب العلم ونشره من العالم المجانب العامل للظلمة تكون الحسنة في ذلك مع الإخلاص بسبعمائة حسنة، وقد تكون بعشر أمثالها مع سهولة العمل أو عدم الإخلاص الكثير.
مخ ۱۷
وأما قوله تعالى: [ ]{وإن تك حسنة يضاعفها} فالآية على إطلاقها في أنه لا انقطاع للمضاعفة والتجديد في الآيتين وهما قوله تعالى: [ ]{من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} وقوله تعالى: [ ] {سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة} فذلك جزاء على العمل بحسب موقعه ومشقته، والإخلاص الكثير والنية الصالحة لقوله تعالى: {ابتغاء مرضات الله وتثبيتا من أنفسهم} فالزائد على ذلك الذي لا انقطاع له في قوله تعالى:[ ]{وإن تك حسنة يضاعفها} فذلك تفضل مقطوع به وثواب على العمل، وتلك المضاعفة التي لا انقطاع لها كلها جزاء العمل الصالح؛ لأنها لولا العمل الصالح لما حصلت، فلا تخص الآية إلا آيات الإحباط {ويؤت من لدنه} أي: عليها {أجرا عظيما} بليغا في العظم؛ وكل ذلك بشرط التقوى لما ذكرنا من الأدلة، وقوله تعالى: [ ] {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون} {إن الله يأمر بالعدل} أي: يفعل أفعاله كلها بالعدل بالحق، ويأمر جميع المكلفين بذلك، ويأمرهم بالإحسان إلى أنفسهم بفعهلم ما يجب عليهم، {وإيتاء ذي القربى} اللام في القربى للجنس أو للعهد [5ب] والأحسن أنها للعهد؛ لأنها قريب العدل والإحسان، واللام فيهما للعهد؛ لأن المراد العدل المعهود الذي يأمر الله تعالى به وهو العدل الذي لا يشوبه جور، وليس المقصود جنس العدل ولو مع الجور أي عدل قل أو كثر، والإحسان المعهود الكامل لا الذي مع الإساءة، وقرين الشيء حكمه حكمه لا يفرق بينهما فيما يجب ويحرم وجنس وعهد إلا بدليل؛ فيكون المقصود في القربى القربى المعهودين في الذهن وفي الخارج وهم قربا، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أي: {وإيتاء} أي: إيصال {ذي القربى} أي: صاحبها، وهي قربا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم ذريته وعترته، وقوله تعالى: {وإيتاء ذي القربى حقه} أي: قرباك، والخطاب لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- فالمقصود بها قرباه -صلى الله عليه وآله وسلم- وهم ذريته -صلى الله عليه وآله وسلم- وعترته ما تناسلوا إلى يوم القيامة، والمقصود بإيتاء ذي القربى إيتاءهم حقهم الذي يجب لهم من المودة المفروضة لهم في قوله تعالى: [ ] {قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى}.
مخ ۱۹
قوله تعالى: [ ]{وينهى عن الفحشاء} أي: الكبائر من المعاصي {والمنكر} ما أنكره العقل والسمع جميعا أو السمع وحده من قول أو فعل {والبغي} أي: وينهى تعالى عن البغي وهو تجاوز الحدود في الأقوال والأفعال والاعتقاد؛ فالبغي على الله تعالى تعدي حدوده تعالى إفراطا أو تفريطا، والبغي على الملائكة -عليهم السلام- سبهم وجعلهم إناثا، والبغي على الأنبياء -عليهم السلام- سبهم وتخوينهم ومحاربتهم والاستخفاف بهم وذلك كله كفر، والإفراط في حق الله تعالى قد يكون كفر إلزام كغلو المعتزلة من جمعهم بين النقيضين ونفيهما لهما من قولهم صفات الله تعالى لا هي هي ولا هي غيره ولا قديمة ولا محدثة في نفيهما، والتفريط قد يكون كفرا كتفريط العوام الذين لا يتفكرون بعقولهم في مصنوعات الله تعالى رأسا، ويظهر الكفر كالتجسيم والتشبيه من أفواههم وأن لا تظهر خصال الكفر منهم فالظاهر الإسلام كالمجبرة والمشبهة وغير ذلك من عقائد الفرق الضالة، والبغي على الأئمة العادلين من أهل البيت عليهم السلام سبهم ومحاربتهم واستحلاله كفر وغيره فسق، والبغي على المؤمنين والمؤمنات قطع موالاتهم وترك نصرتهم وترك تعظيمهم والاستخفاف بهم فإن كان لأجل إيمانهم فكفر وإلا ففسق، وكذلك إذا كان ذلك استحلالا فكفر أيضا ولو مؤمنا أو مؤمنة في الاستحلال أو لأجل إيمانه، وإن كان غير ذلك فإن كان مجمعا عليه إجماعا قوليا للعترة عليهم السلام [6أ] أو الأمة فيهم إجماع العترة ففسق وإلا فنقص عدالة ففي ذلك كله اتباع لغير سبيل المؤمنين؛ لأن سبيلهم هو الإيمان بكل ما جاء من عند الله تعالى وترك البغي على الله تعالى وعلى أهل الإيمان فمن فعل ذلك فقد اتبع غير سبيلهم؛ فإذا كان ذلك بعد المعرفة بالهدى الذي هو الحق فهو مشاقق لله تعالى ولرسوله وفي ذلك يقول الله تعالى:[ ] {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} يوله ما تولى أي: يحكم له بحكم الخصلة التي تولاها فيلحق حكمها من كفران كانت تقتضيه أو فسق إن كانت توجبه، ثم قال الله تعالى متوعدا: [ ] {ونصله جهنم وساءت مصيرا} والبغي على المؤمنين بسبهم وإهانتهم وترك نصيحتهم بما يجب لهم من البغي بهم إلى من يعاقبهم من الولاة بغير حق، ولكل شيء من ذلك موضعه من كتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وآله وسلم.
قوله تعالى: [ ]{ يعظكم} أي: الله تعالى يذكركم سننه وفروضه عليكم {لعلكم تذكرون} ما أمركم به ونهاكم عنه فترجعون إلى ذلكم فتعرفون أن المصلحة لكم في ذلك، وأن شكر المنعم واجب .
فصل [ ]
مخ ۲۱
قد ثبت بالعقل والسمع أن الله تعالى عادل حكيم أما العقل: فلأن الأفعال المحكمة قد وجدت منه تعالى قطعا، ولا يحكمها قطعا إلا حكيم، ووجدت أيضا على وجه العدل، لأن العاقل إذا نظر أدنى نظر في التكاليف التي أوجب عقله عليه تأديتها شكرا لله تعالى على نعمه عليه وجد الله تعالى أوجبها على حسب ما أوجد في المكلف من القدرة والعقل، ولم يكلف تعالى ما لا يطاق ولا ما فيه جور وهذا حقيقة العدل والإنصاف، وكذلك الآلام والنقائص فيها من الأعواض والاستحقاق فتجلب النفع وترفع الضرر ما يخرجها عن الجور والظلم والكراهة والإباحة ويسير فعلها أحسن من تركها؛ وذلك معلوم للعاقل بأدنى نظر لمن ترك المكابرة لله تعالى والمعاندة، إذا تقرر ذلك وجب على أهل العقول الكاملة أن يعتقدوا أن الله تعالى عدل حكيم، وأن أفعاله كلها حكمة وإحكام وذلك ظاهر فيها، وما لم تشاهد بعقلك أحكامه وحكمته ومصلحته وجب عليك أن تعتقد أن فيه حكمة وإحكام ومصلحة؛ لأن الحكيم في الشاهد العقل لا يتهم في أفعاله مهما كان حكيما، والله تعالى أحكم الحكماء وأعلم العلماء [6ب] فلا يتهم في شيء من أفعاله خلاف الحكمة والإحكام والمصلحة ولم يقر بعدل الله تعالى من نسب إليه خلاف الحكمة والإحكام، ولذلك قال أمير المؤمنين علي -عليه السلام: العدل أن لا يتهمه. وقد أخبر تعالى أنه أحكم جميع مخلوقاته، وقال تعالى في ذلك: [ ] {صنع الله الذي أتقن كل شيء} أي: أحكم كل شيء من مخلوقاته -تبارك وتعالى- وقال تعالى: [ ] {ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت} يعني تعالى: أن كل أفعاله ليس فيها مفاوتة في الحكمة، بل كلها حكمة أي: فيها مصلحة محكمة في ترتيبها وتأليفها، ثم ما نقل في باب العدل.
فصل في قدر الله سبحانه وتعالى
وذكر قدره الله في كتابه، وأخبر -سبحانه- أن قدره -سبحانه- جميع أفعاله فقال تعالى في ذلك: [ ]{ إنا كل شيء خلقناه بقدر} يقول -سبحانه- كل مخلوق لنا فهو بقدر منا يعني بحكمة وعدل وابتداع من العدم لا يقدر على فعلنا غيرنا، وقال تعالى في ذلك: [ ] {وكان أمر الله قدرا مقدورا} يقول سبحانه حتما محتوما لا يقدر أحد على رد أمرنا فيما أردنا أن نفعله ونقهر العباد عليه من الموت والحياة والزيادة في خلقهم ونقصه وعقولهم وألوانهم وإفقارهم وإغنائهم، يخلق الأرزاق في مواضعها وعلمه بها، قال تعالى في ذلك: [ ] {وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه} وقال تعالى: [ ] {ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها} يقول سبحانه: [ ]"من قللت عليه الرزق مع سعته في كسبه من الحلال فلينفق مما أعطيته في الواجب إلى أينما بلغ رزقي له وليس عليه غير ذلك"(1).
مخ ۲۳
والمعنى الثالث: يكون بمعنى الأمر والنهي، ويريد تعالى أن يفعل ذلك المأمور به ويترك المنهي عنه العباد باختيارهم من غير قسر ولا إلجاء ولا تكليف ما لا يطاق، وذلك أفعال العباد وتروكهم قبيحها وحسنها، قال تعالى في ذلك: [ ] {وكان أمر الله قدرا مقدورا}(1) يقول سبحانه [ ]"ما أمر به فهو حسن واجب على المأمورين وما نهى عنه فهو محرم يجب تركه على المنهيين"(2) ويدل على أن الله لا يريد المعاصي وأن المراد بقدره تعالى صنعه وتدبيره ولطفه وإحسانه وإثابته وعقابه وخذلانه لمن يستحق ذلك وليس المراد به أفعال [7أ] العبيد.
مخ ۲۴
قوله تعالى: [ ] {يريد الله ليبين لكم وليهديكم سنن الذين من قبلكم}(1) وقال:[ ] {يريد الله أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا}(2) وقال [ ] {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}(3) وقال: [ ] {وما الله يريد ظلما للعباد}(4) وقال: [ ] {يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره}(5) وقال: [ ] {ويريد الشيطان أن يضلهم ظلالا بعيدا ويريدون أن تضلوا السبيل}(6) فأخبر تبارك وتعالى أن إرادته الصلاح والرشد واليسر وأنها ليست في الظلم والغش والكذب والفساد، وأن إرادة الشيطان في أهل الباطل إنما هي في الكفر والظلم فمن أبى أن يقبل ما أمره الله به وينتهي عما نهاه الله عنه كان من إرادة الله وحكمته أن يصليه النار بما كسبت يداه وجناه على نفسه، فبهذه الآيات ونحوها علمنا أن الله إذا أمر العباد بشيء فقد أراده إرادة أمر لا إرادة جبر، وإذا نهى عن شيء لم يرده ولم يغلب على كونه والله لا يأمر بما لا يريد ولا ينهى عما يريد والله غالب غير مغلوب وأنه أحكم الحاكمين، ويدل على ما ذكرنا من أن الله تعالى يشأ الإحسان ولا يشأ القبائح ومشيئة الله تعالى لأفعاله تعالى هي إرادته إنقاذها في الوقت الذي يعلم الحكمة في إيجادها فيه، وإرادته تعالى لها هي قصده تعالى إيجادها في الأوقات التي قد علم تعالى أن إيجاده لها في ذلك الوقت حكمة ومصلحة للمكلفين، ومشيئته هي رضاه بالمفعول سواء كان من فعله تعالى أو من فعل العبيد، وأنه تعالى لا يشاء من أفعال العبيد إلا الحسن ولا يرضى إلا به، وأنه تعالى لا يشأ الظلم يدل على ذلك كله قوله تعالى:[ ] {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون}(1)
مخ ۲۶
وقال تعالى حاكيا عنهم: [ ] {لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آبائنا} الآية وقال تعالى حاكيا: [ ]{وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم ما لهم بذلك من علم إنهم إلا يخرصون}(1) فلما أضاف المشركون شركهم وكفرهم وعبادتهم لأصنامهم إلى مشيئة الله تعالى وأمره رد الله في ذلك عليهم وأكذبهم وأخبر أن ليس كما قالوا وأنهم يتبعون [7ب] الظن ويكذبون على الله وعلى مشيئته وأمره كما قال تعالى:[ ] {وإذ فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون}(2) فبين تعالى أنه لا يشاء الشرك ولا يأمر به وأمره ومشيئته في الطاعة واحدة؛ فبهذه الآيات ونحوها علمنا أن الله تعالى لا يشاء الشرك ولا يأمر به ولا يريده وليس بمغلوب على شيء إلا غالب، ومشيئة الله للشيء رضاه به ويدل على ذلك، وأنه تعالى لا يشاء الظلم والكفر، وأن الله تعالى لا يشاء الظلم ولا الكفر وأن الله تعالى يشاء من العبيد الشكر، وأن المصلحة فيه عائدة عليهم، وأنه تعالى غني عنهم وعن شكرهم، وأن فعل أي الفعلين فعلهم لا فعل الله تعالى.
مخ ۲۷
قوله تعالى: [ ] {إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم}(1) وقال: [ ] {وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول}(2) وقال:[ ] {واتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم}(3) وقال:[ ] {إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون}(4) وقال:[ ] {يا أيها الذين أمنوا لم تقولون ما لا تفعلون}(5) وقال بعد ذكره تعالى المعاصي بالنهي عنها:[ ] {كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها}(6) فبهذه الآيات ونحوها علمنا أن الله تعالى لا يرضى المعاصي تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، ويدل على أن أفعال العبيد منهم، وأنها باختيارهم بالقدرة التي جعلها تعالى فيهم وتفضل بها تعالى عليهم.
مخ ۲۸