[بعد الدار عنكم] فأضاف البعد إلى الدار إشارة إلى أن بعد ذاتهم لا يمكن أن يخطر بالبال، وطلب بعد الدار غير مقدور في الحال غاية الأمر، وسوسة النفس، والعقل مبالغ في الإمهال، وأسند القرب إلى ذاتهم بقوله: [لتقربوا] لأن قربهم متمكن في الخيال، ولا يترنم بغيره المقال [وتسكب] بالنصب بتقدير أن لعطفه على بعد الدار، وبالرفع لعطفه على سأطلب [عيناي الدموع لتجمدا] ومعنى البيت على ما هو المشهور عند القوم أن عادة الزمان والإخوان إلجاء الطالب إلى الحرمان، فأي أمر كان هو المرتقب بحكم الزمان والإخوان انعكس وانقلب، فإلى الآن بقيت في حزن البعد، والاحتجاب للمبالغة في طلب السرور # بالوصل، والاقتراب، فبعد اليوم أطلب البعد ليساعد في الدهر وأهله بالقرب والحضور، أطلب حزن البعد لأفوز بالقرب والسرور.
وعلى ما حققه الشيخ أنه كنى بطلب بعد الدار عن توطين النفس عليه والسين لمجرد التأكيد، كأنه قال: إلى اليوم أطيب نفسي بالبعد وأحزانه، وأشيد بناء الصبر الجميل بأركانه، لأتسبب بذلك إلى وصل بتأبد، ومسرة لا تنفد إلى الأبد، فإن الصبر الجميل مفتاح الفرج، مع الأجر الجزيل بلا حرج، والأبلغ أن يجعل تسكب عطفا على أطلب فيكون تحت التأكيد، والشارح المحقق صوب بهذا المعنى، وجعل توجيه القوم تعسفا فاسد المبنى، ولم يرض به المرتضى الشريف، وقال: كلام القوم غير مستحق للتخطئة والتزييف، فتصويب الشارح كتصويب من قال: الصواب أن الشاعر يعتذر إلى العشيقة في التشمر للسفر ليتوسل به إلى أسباب معاشرتها في الحصر؛ إذ بالأموال يقتنص ظباء الغواني، ويتمتع بالوصال، وإلى مثل هذا المعنى أشار المتنبي حيث قال:
[لعل الله يجعله رحيلا ... يعين على الإقامة في ذراكا] (¬1)
مخ ۱۷۷