خطبة أخرى لسعد زغلول باشا
ألقاها في كلية الأزهر بالقاهرة بين الطلبة في أبريل سنة 1921.
جئت اليوم لأؤدي في هذا المكان الشريف فرض صلاة الجمعة، ولأقدم واجبات الاحترام لمكان نشأت فيه وكان له فضل كبير في النهضة الحاضرة، تلقيت فيه مبدأ الاستقلال لأن طريقته في التعليم تربي ملكة في النفوس، فالتلميذ يختار شيخه والأستاذ يتأهل للتدريس بشهادة من التلاميذ الذين كانوا يلتفون حول كل نابغ فيه ومتأهل له يوجه كل منهم إليه الأسئلة التي يراها، فإن أجاب الأستاذ وخرج ناجحا من هذا الامتحان كان أهلا لأن يجلس مجلس التدريس، وهذه الطريقة من الاستقلال التي تسمى الآن خللا في النظام جعلتني أتحول من مالكي إلى شافعي حيث وجدت علماء الشافعية في ذلك الوقت أكفأ من غيرهم. ولقد كان للأزهريين في الحركة الحاضرة فضل كبير بما ألقوه من الخطب وما بثوا من الأفكار والمبادئ النافعة.
الفصل الثاني
عيون الخطب الإفرنجية
(1) خطبة برقليس
كان برقليس (495-429 ق.م.) من خطباء أثينا وأحد رجالاتها المعدودين المحبوبين عند جمهور السكان، وهذه الخطبة ألقاها في السنة الأولى من الحرب البلوبونيزية رثاء للجنود الذين ماتوا في هذه الحرب سنة 431 ق.م.
إننا سعداء بنظام حكومي لسنا نحتاج به إلى أن نحسد جيراننا لما عندهم من القوانين لأنه نموذج يحتذي به الآخرون بينما هو أصيل في أثينا، وهذا النظام الموكل تنفيذه إلى جميع الأمة وليس إلى عدد قليل منها يسمى الديمقراطية، فمهما اختلف كل فرد منا عن الآخر في شئونه الخاصة فنحن سواء في التمتع بمزايا قوانيننا ونزداد مزايا بمقدار تفوقنا. وشرف الإعجاب ليس مقصورا على أسرة واحدة بل للجميع أن يحصلوا عليه باستحقاقهم الشخصي، ولا يقعد الفقر بأحد يبغي خدمة بلاده ويستطيع هذه الخدمة فينال الشهرة بعد الخمول، فلكل منا الحق في دخول وظائف الحكومة دون أن تعترضه عقبة، ولنا أن نعيش حياتنا الشخصية في تبادل الحب دون أن تنالنا شبهة، ولسنا نغضب من جارنا إذا اتبع ميوله ولسنا نستاء منه ذلك الاستياء الذي وإن لم ينزل به عقابا فإنه يحدث له ألما، فنحن أحرار في حياتنا الشخصية ولكننا لا نجرأ مهما كانت البواعث على مغاضبة الجمهور لما نحمل في صدورنا من احترام الحكام والقوانين، وبخاصة تلك القوانين المدونة التي يقصد منها التفريج عن المظلوم، وتلك التي لم تدون والتي تعود مخالفتها بالعار والفضيحة على من يخالفها.
وقد هيأت لنا قوانيننا أوقات فراغ نمتع فيها عقولنا برؤية الملاهي العمومية ومشاهد التضحية طول العام. وهي تؤدى بأبهة ورشاقة لا تبقيان في قلوب الناظرين محلا للهم أو الغم. وقد صارت عظمة أثينا مدينتنا هذه سببا في جلب جميع حاصلات الأرض بأجمعها إليها، فنحن نتمتع بأطايب بلادنا كما نتمتع بأطايب سائر بلاد العالم.
ولسنا في حاجة إلى شواهد تثبت أننا نستحق هذه المكانة؛ فإن لنا حججا قوية واضحة على ذلك وهي موضع إعجاب العصور الحاضرة والمستقبلة، فلسنا في حاجة إلى شاعر مثل هوميروس لكي يتغنى بمديحنا كما أننا لسنا في حاجة إلى شاعر آخر لكي يزين تاريخنا بعقود القريض؛ لأن الرأي في مآثرنا لا يكون عندئذ رأيا صحيحا نزيها، فقد فتحت أساطيلنا كافة البحار وقد اخترقت جيوشنا جميع الأرضين وتركت وراءها آثارا أبدية لعداوتنا أو صداقتنا.
ناپیژندل شوی مخ