له عزائم الشباب لأن في قلبه فتوة الشباب، يفكر تفكير الفيلسوف لأن الطبيعة حابته برأس كبير كما حاباه الدهر بتجارب لا عداد لها، فكان محررا وكان ثائرا وكان محاميا وكان قاضيا وكان وزيرا.
قال في سنة 1921 في فندق ماجستك بالإسكندرية:
يا سمو الأمير ، إخواني، أبنائي
اعذروني إذا أنا لم أقدر أن أخاطبكم كما أريد لأني تعب، أضناني التعب من هذه الاحتفالات الساهرة، تلك المظاهر الساحرة، هذا الاستقبال الذي لا نظير له، وإني بكل قوتي أحتج على قول حضرات أبنائي بأني أنا وحدي الذي فعلت هذا الذي تمدحونني عليه، أحتج بكل قوتي لأني لست وحدي فيه، بل للأمة جمعاء أثر فيه.
أريد في وسط هذه المظاهر الهاتفة أن أوجه شكري وثنائي إلى الذين اشتركوا في تأسيس مجدنا وتوفير سعادتنا وإنعاش آمالنا.
أتوجه والخشوع يملأ جوارحي إلى تلك الأرواح الطاهرة أرواح أولئك الأبطال الذين نادوا بالحق والحق منكر، ففاضت أرواحهم وألسنتهم تردد ذلك النداء، فاضت وقد شرفونا بإقدامهم وألزموا الكل باحترام مصر واسمها وبيضوا وجوهنا، والآن فليناموا هادئين فقد انبلج فجر الاستقلال مضمخا بدمائهم، وخلفوا من بعدهم من يستحق ذلك الفداء، بيض الله برحمته أجداثهم وأسكنهم جنات العلا وأرضى عن أعمالنا أرواحهم وأراحهم بتحقيق آمالنا.
لله در الشبيبة ما فعلت، فإنها قد فتحت ما ضمت صدورها من كنوز الفتوة، وملأت قلب البلاد عزة وحماسة وملأت رءوسها حكمة وملأت حركاتها نظاما، تلك الشبيبة التي هي عماد الحركة الحاضرة ومبعث أنوارها الساطعة، أشكرها شكرا جزيلا، وأرتاح جدا لأن المستقبل سيكون بيدها وهي يد ماهرة.
وأشكر العلماء والقسس الذين باتحادهم أبطلوا حجة في يد الخصوم طالما اتخذوها سلاحا قاطعا، أزالوا الفوارق وأثبتوا أن الديانات واحدة تأمر بالدفاع عن الوطن، وأنه ليس لها تأثير إلا في عبادة الخالق جل وعلا، أما في الوطن فالكل سواء.
وأشكر أيضا الأمراء الذين حملهم ما ورثوه عن آبائهم من المجد والفخار أن ينزلوا إلى صفوفنا وينضموا إلى التاجر والصانع والزارع والعامل وكل من يخفي تحت تلك الثياب الزرقاء والبيضاء نفسا كريمة وقلبا أبيا، انضموا إلى هذه الصفوف لأجل أن يستحقوا بعنوان آخر ذلك المجد الذي ورثوه عن الآباء.
فشكرا لهم ثم شكرا، والحق إن كل إنسان من المصريين قد قام بالواجب عليه، وكل نافس أخاه في القيام بهذا الواجب وزاد عليه ليكون ممتازا على أقرانه بشيء في خدمة الوطن العزيز، فكلكم شاكر وكلكم مشكور. ومن مجموع هذه المساعي سارت قضيتنا إلى هذه النقطة الحاضرة، فإننا لما قلنا إن الحماية لاغية أعلنوا اليوم هم أنها ليست باقية وأظهروا استعدادهم لاستبدالها بعلاقة أخرى راضية. والفضل في هذا الفرق العظيم لسعيكم لا لسعيي والتمسك بالمبادئ السامية، فاهنئوا بما نلتم واثبتوا حتى تفوزوا بالأماني الباقية.
ناپیژندل شوی مخ