الناس مثل هذا التعامل ما نجا احد من الاولين والآخرين . ان مناجاة صفوة الله من الانبياء والائمة المعصومين صلوات الله عليهم مشحونة بالاعتراف بالتقصير والعجز عن القيام بالعبودية . وعندما يعلن افضل الكائنات واقربها الى الله رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم قائلا : «ما عرفناك حق معرفتك وما عبدناك حق عبادتك» فماذا سيكون حال سائر الناس ؟ ... نعم انهم العارفون بعظمة الله تعالى ، العالمون بحقيقة نسبة «الممكن» الى «الواجب» انهم يعلمون ، انهم لو قضوا جميع اعمارهم في الدنيا بالعبادة والطاعة والتحميد والتسبيح ، لما ادوا شكر نعم الله ، فكيف يمكن اداء حق الثناء على ذاته وصفاته المقدسة ؟ ، انهم يعلمون ان ليس لموجود شيء . فالحياة والقدرة والعلم والقوة وسائر الكمالات الاخرى هي ملك لكماله تعالى ، و«الممكن» فقير ، بل فقر محض يستظل بظله تعالى ، وليس بمستقل بذاته . اي كمال يملكه «الممكن» بنفسه لكي يتظاهر بالكمال ؟ ، واية قدرة يمتلكها لكي يتاجر بها ؟ اولئك العارفون بالله وبجماله وجلاله شاهدوا شهود عيان نقصهم وعجزهم وشاهدوا كمال «الواجب» تعالى ، وانما نحن المساكين الذين قد ران حجاب الجهل والغفلة والعجب والمعاصي على قلوبنا وقوالبنا وغشى ابصارنا واسماعنا وعقولنا وكافة قوانا المدركة بحيث اخذنا نستعرض عضلاتنا في مقابل قدرة الله القاهرة ، ونعتقد ان لنا استقلالا وشيئية بذواتنا .
ايها «الممكن» المسكين الجاهل بنفسك وبعلاقتك بالله ! ، ايها «الممكن» السيئ الحظ الغافل عن واجباتك ازاء مالك الملوك ! ان هذا الجهل هو سبب جميع ما يلحقك من سوء التوفيق ، وهو الذي ابتلانا بجميع هذه الظلمات والمكدرات . ان الضياع قد ينشا من الاساس ، وان تلوث الماء يكون من المعين ، ان عيون معارفنا عمياء ، وقلوبنا ميتة ، وهذا سبب جميع المصائب ، مع كل ذلك لسنا حتى بصدد اصلاح انفسنا ! .
اللهم تفضل علينا بتوفيق التوبة ، وعرفنا انت بواجباتنا ، وتفضل علينا بنصيب من انوار معارفك التي ملات بها قلوب العرفاء والاولياء ، اظهر لنا احاطة قدرتك وسلطتك ، وعرفنا بنواقصنا . فهمنا نحن المساكين الغافلين الذين ننسب جميع المحامد الى الخلق ، فهمنا معنى «الحمد لله رب العالمين» ، عرف قلوبنا بان ليست هناك محمدة من مخلوق . اظهر لنا حقيقة «ما اصابك من حسنة فمن الله وما اصابك من سيئة فمن نفسك ...» (1) ادخل كلمة التوحيد الى قلوبنا القاسية الكدرة ، نحن اهل الحجاب والظلمة ، واهل الشرك والنفاق ، نحن الانانيون ، عباد النفس ، المعجبون بها ، اخرج من قلوبنا حب النفس وحب الدنيا ، واجعلنا عشاقا لله وعبادا لك «انك على كل شيء قدير» .
مخ ۷۷