الاربعون حديثا :62
واعلم ان هذه العقيدة الحقة مطابقة للعقل والشرع وليس فيها شبهة الجبر ، وهي الشبهة التي من المحتمل ان يعتقد بها بعض من لا اطلاع لهم على مبادئ الموضوع ومقدماته ولم يطرق سمعهم شيء من تلك الامور ، مع ان ذلك لا يرتبط بالجبر ، فهو توحيد والجبر شرك ، وهذه هداية والجبر ضلالة . وهذا ليس مكانا مناسبا لبيان الجبر والتفويض ، ولكن الامر واضح عند اهله ولا حق لغيرهم بالدخول في هذه المواضيع ، بل وقد نهى صاحب الشريعة عن الدخول فيها .
وعلى اي حال ؛ اطلب من الله الرحيم في كل حين ، وخصوصا في الخلوات ، وبتضرع وعجز وتذلل ، ان يهديك بنور التوحيد ، وان ينور قلبك ببارقة غيب التوحيد في الايمان والعبادة ، حتى تعلم ان جميع العالم الواهي وكل ما فيه يكون لا شيء ، واسال الذات المقدس بكل تضرع ان يجعل اعمالك خالصة وان يهديك الى طريق الخلوص والولاء . واذا واتتك حالة السمو الروحي ، فاذكر بالدعاء هذا العبد الضعيف البطال الخالي من الحقيقة الذي ضيع عمره في الهوى ، واصبح قلبه بسبب كدر المعاصي والامراض القلبية بحيث لم تعد تؤثر فيه اية نصيحة ولا رواية ولا برهان ولا دليل ولا آية ، لعلة يجد بدعائكم طريق النجاة ، فان الله لا يرد دعاء المؤمن في حضرته ، بل يستجيب دعاءه .
بعد التذكير بهذه المطالب التي كنت تعرفها ولم تكن جديدة عليك ، راقب قلبك وانتبه له ، واخضع اعمالك وتعاملك وحركاتك وسكناتك للملاحظة ، وفتش في خبايا قلبك ، وحاسبه حسابا شديدا مثلما يحاسب شخص من اهل الدنيا شريكه ، واترك كل عمل فيه شبهة الرياء والتملق ولو كان عملا شريفا جدا . واذا رايت انك لا تستطيع اداء الواجبات باخلاص في العلن ، فادها في الخفاء مع انه يستحب الاتيان بها في العلن . وقليل ما يتفق ان يقع الرياء في اصل الواجب ، والاغلب ان يقع في الخصوصيات والمستحبات والاضافات ، وعلى اية حال ، طهر قلبك من دنس الشرك بجد ومجاهدة شديدتين ، لئلا تنتقل من هذا العالم لا سمح الله وانت بهذه الحالة السيئة من دون ان يكون لك امل بالنجاء ابدا ، ويكون الحق المتعال غاضبا عليك ، كما ورد في الحديث الشريف المنقول في (الوسائل) عن (قرب الاسناد) بسند متصل الى امير المؤمنين عليه السلام انه قال : «قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من تزين للناس بما يحب الله وبارز لله في السر بما يكره الله لقي الله وهو عليه غضبان وله ماقت» (1) .
في هذا الحديث الشريف احتمالان : الاول : هو ذلك الذي يظهر للناس الاعمال الصالحة ويخفي الاعمال القبيحة . والآخر : هو ذلك الذي يظهر للناس هيكل العمل وفي الاربعون حديثا :63
مخ ۶۲