فيبعثه الحق تعالى ليبين للناس الطريق الى السعادة والطريق الى الشقاء ، وليعلم الناس كيف يصلحون انفسهم . وهذه هي النبوة العامة .
ولما انتهى بنا الحديث الى هنا ، خطر لي ان اشير استطرادا الى موضوع اراه من البديهيات .
وهو اننا وبعد ان علمنا ضرورة وجود شريعة الهية لبني البشر ، ولزوم رجوعنا الى الشرائع السائدة بين الناس ، وهي على الاغلب الشرائع الالهية الثلاث : اليهودية والمسيحية والاسلام ، نرى بان الشريعة الاسلامية هي اكمل من الشرائع الاخرى في ابعادها الثلاثة ، التي هي اساس الشرائع ومدار التشريع ، احدها ما يعود الى العقائد الحقة ، والمعارف الالهية وتوصيف الحق وتنزيهه وكيفية ذلك . والعلم بالملائكة وتوصيف الانبياء (عليهم السلام) وتنزيههم ، مما هو اصل الشريعة واساسها . وثانيها ما يعود الى الخصال الحميدة والاخلاق الفاضلة واصلاح النفس . وثالثها هو جانب الاعمال الفردية والاجتماعية والسياسية والمدنية وغير ذلك بل ان كل ناظر منصف وغير مغرض في هدفه يدرك ان الاسلام ارقى من ان يقارن بدين آخر ، وان الحياة البشرية لم تشهد قانونا ولا شريعة بهذا الاتقان بحيث تكون تامة وكاملة في جميع مراحل الحياتين الدنيوية والاخروية . وهذا بذاته خير دليل على احقية الاسلام وصدقه .
وعليه ، وبعد اثبات النبوة العامة ، وان الله قد شرع لبني البشر شريعة ، وبين لهم طريق الهداية ، ووضعهم ضمن اطار نظم ونظام ، لم يعد اثبات احقية الدين الاسلامي بحاجة الى مقدمات ابدا ، سوى التمعن فيه ومقارنته بسائر الاديان والشرائع في جميع المراحل التي يمكن تصورها ، ابتداء من حاجة الانسان الى الملكات الحقة والمعارف النفسانية ، وحتى بلوغ الواجبات النوعية المفردية والاجتماعية . وهذا معنى من معاني الحديث الشريف : «الاسلام يعلو ولا يعلى عليه» (1) اذ كلما ازداد العقل البشري تقدما وتطورا في مدركاته وتمعنا في حجج الاسلام وبراهينه ، ازداد خضوعا لنور هدايته ، وقوة امام الحجج فلا تظهر حجة ودليل في العالم ضد الاسلام الا وينتصر عليه .
والمستخلص من ادلتنا على اثبات نبوة خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم هو انه لما كان اتقان خلق الكائنات وحسن ترتيبها وتنظيمها دليلا يهدينا الى الاعتراف بوجود الخالق والمنظم الذي يحيط علمه بكل الدقائق واللطائف والجلائل ، كذلك يهدينا اتقان احكام شريعة وحسن نظامها وترتيبها الكامل وكونها تتكفل بكل الحاجات المعنوية والمادية ، الدنيوية والاخروية ، الفردية والاجتماعية ، الى ان مشرعها ومنظمها عالم محيط بجميع حاجات العائلة الاربعون حديثا :197
مخ ۱۹۶