البشرية . وكما ان العقل يهدينا الى ان عقل ذلك الانسان ، الذي كتب تاريخه جميع المؤرخين من مختلف الامم قائلين انه كان اميا وعاش في محيط خال من الكمالات والمعارف ، لا يمكن ان يكون قادرا على وضع مثل هذا الترتيب الكامل والنظام التام بنفسه . كذلك ندرك بالضرورة ان هذه الشريعة قد شرعت في الغيب وفيما وراء الطبيعة ، ونزلت عن طريق الوحي والالهام على ذلك الانسان العظيم . والحمد لله على وضوح الحجة .
كنت ناويا الاشارة الى نوع آخر من انواع التفكر ، وهو التفكر في عالم الملك الذي تكون نتيجته الزهد . ولكن عنان القلم في المقالات السابقة قد افلت من يدي ، فشرحت ذلك بصورة مطولة ، ادت الى الخروج عن الموضوع ولهذا غضضت الطرف عنه .
فصل: في فضيلة صلاة الليل
بقي علينا شرح جملتين اخريتين من الحديث الشريف حيث يقول صلوات الله عليه «جاف عن الليل جنبك واتق الله ربك» .
في هذا الكلام المبارك يقرن الامام عليه السلام الاعمال القلبية والتفكر المنبه ، وتقوى الله تعالى ، باحياء الليل ومجافاة الفراش من اجل العبادات . وهذا دليل على كمال صلاة الليل وفضيلته واهميته . كما ان الاحاديث الشريفة تمجد هذا العمل الشريف كثيرا . ويستدل من سيرة ائمة الهدى عليهم السلام والمشايخ العظام والعلماء الاعلام انهم كانوا مثابرين على ادائها . بل كانوا يحرصون على اليقظة في الهزيع الاخير من الليل ، بصرف النظر عن التعبد فيه .
لقد جاء في كتاب «وسائل الشيعة» الذي يعتبر من اعظم كتب الامامية ، ومدار المذهب ومرجع العلماء والفقهاء واحد واربعون حديثا في فضلها ، والعديد من الاحاديث في كراهية تركها . وفضلا عن ذلك يشير الى السابقات واللاحقات من الاحاديث في شانها . وهناك ، بالطبع ، احاديث كثيرة جدا في كتب الادعية وغيرها ، ولكننا ، من اجل التيمن والتبرك نورد بعضا منها :
«عن الكافي باسناده عن معاوية بن عمار قال : سمعت ابا عبد الله عليه السلام يقول : كان في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلي قوله : يا علي ! اوصيك في نفسك بخصال فاحفظها ، ثم قال : اللهم اعنه ... الى ان قال : وعليك بصلاة الليل وعليك بصلاة الليل وعليك بصلاة الليل» (1) .
يتبين من صدر هذا الحديث وذيله ما لصلاة الليل من اهمية .
مخ ۱۹۷